أخيرة

الدراما السوريّة انعكاس لواقع يعيد تقويم المسار الإبداعيّ عناوين متنوّعة وحوادث لا تنفصل عن يوميّات وفرادة المجتمع

} عبير حمدان

تميّزت الأعمال الدرامية السورية بواقعية الطرح مع مختلف الجوانب الاجتماعية بحيث يلمس المتلقي شخوصاً تشبهه وحوادث لا تنفصل عن يومياته وقد يرى نفسه ضمن إطار المشهد داخل مواقع التصوير البعيدة عن التصنّع.

رغم الغزو الثقافي المدبلج والبذخ على مسلسلات تمّ استيراد قصصها من افلام أجنبية بهدف تسطيح العقول بحجة الانفتاح والتحرر وترافق ذلك كله مع ترويج إعلاني وإعلامي ممنهج، إلا أن صنّاع الدراما السورية تمكنوا من المواجهة بالحفاظ على خصوصيّة المجتمع وفرديته.

وهذا العام ترسخ الدراما السورية حضورها بقوة من خلال عناوين متنوعة وبارزة وبأعمال استحقت المتابعة لا بل حفزت المتلقي كي يراجع حساباته بعيداً عن الأحكام المسبقة المرتبطة بفرضية قياس نجاح العمل «بالنجوم» حتى ولو كان هؤلاء قد حصدوا نجوميتهم بناء على خلفية استعراضية مربحة لبعض تجار الإنتاج والتسويق.

على قيد الحب.. شخوص دراميّة من زمن جميل

قدّم مسلسل «على قيد الحب» للمخرج باسم السلكا صور مجتمع مشبع بالتفاصيل البسيطة التي لا تخلو من العمق لجهة طرح قصص البيوت العادية البعيدة عن لعبة الإبهار، وبالتالي تمكن العمل من جذب المشاهد لا بل جعله جزءاً من الحكايا التي نعيشها على أرض الواقع بكل ما تحتويه من تناقضات.

الحب هو نقطة الارتكاز في معظم الحوارات المشغولة بإتقان بين مختلف الأجيال التي ضمها العمل، حين خرج صنّاع المسلسل من دائرة قسوة الواقع الآني لتأتي المادة الدرامية اجتماعية بشخوص من زمن جميل بتجردها في مكان وعيوبها في مكان آخر. واللافت أن شخصية «أمين» التي يؤديها الكبير دريد لحام لصيقة بطبيعته وحضوره خارج إطار التمثيل، وفي المقابل أبدع سلوم حداد بأداء المثالية المقنّعة القادرة على التحكم بكامل محيطها من خلال شخصية «عزام».

وتظهر قصص الحب والثنائيّات التي يقدّمها العمل السياق الطبيعي لأي علاقة ارتباط وما يتبعها من مشاكل محتملة سواء بسبب الخيانة او الكذب أو الاختلاف في الرؤيا وفق قناعة كل طرف.

باختصار يمكن اعتبار مسلسل «على قيد الحب» مرآة للكثير من العائلات التي تحترف الحب والفرح ويعيش أفرادها يوميّاتهم بحلوها ومرّها يصيبون تارة ويخطئون مرات إلا أنهم مستمرون في تشكيل أحلامهم على قياس قناعاتهم.

مع وقف التنفيذ… اختصار لوطن منهك

قبل الخروج وبعده الكثير من الحوادث التي ضمّها مسلسل «مع قيد التنفيذ» وكأن الحارة اختصار لوطن أنهكته الحرب وما سبقها من شعور بإن الحياة معركة لا تنتهي فصولها ولو لم تتوفر مساحة للقتال سواء فكرياً أو معنوياً.

لكل شخصية خلفيتها لكن هل يمكن تبرير الخطأ على قياس هذه الخلفية، إلا أن صنّاع العمل تمكنوا من تحفيز المتلقي ليكون طرفاً في مشهدية الثواب والعقاب ومع توالي الحلقات يكتشف المتابع أن الشر والخير ليسا طبيعة خالصة في النفس البشرية بل قد يكون لهما دوافع وأسباب وفي المقابل المثالية والمبادئ لا يمكن توريثها حيث إن مقاربة القضايا تختلف بين جيل وآخر.

حجم الواقعية في النص موجعة إلا أنها ضرورية، حيث إن الدراما التي لا تقدم صورة مجتمعها لا تترك بصمة ولا تساهم في تقويم السائد. من هنا يُحسب للكتابي العمل علي وجيه ويامن حجلي تقديم شخوص من صميم الحياة وبالتالي يرى المتلقي الشخصية الانتهازية والوصولية التي تتاجر بناسها تحت غطاء الدين بهدف الوصول (جنان ـ سلاف فواخرجي) وأيضاً هناك الحزبي الثائر على الفساد ليكتشف أنه اخطأ في حساباته حين تلهى بنضاله على حساب عائلته وأبنائه (حليم ـ غسان مسعود) ورجل الأمن الفاسد الذي تلقى عقابه في الحياة حين خسر زوجته وطفليه على يد قناص مجهول وبات يعيش هاجس البحث عن غريمه ومعاقبة الناس على شوائبهم (عزام ـ يامن الحجلي). واللافت في العمل الاضاءة على الانحدار الفني المتمثل بالتفاهة التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحصد مشاهدات هائلة من خلال أغنية «خروف» على غرار «الغزالة رايقة» و»بسبوس..» مما يرسخ مقدرة وجيه وحجلي على الإحاطة بكل التفاصيل وتطويعها بما يخدم الهدف الحقيقيّ لأي عمل درامي.

يحتاج عمل «مع وقف التنفيذ» لأكثر من مقال، حيث إن كل شخصية فيها حالة استثنائية يمكن أن يتناولها كل من يريد الكتابة عنه وقد يحمل في حلقاته المقبلة الكثير من الحوادث التي تستحق التأمل واستخلاص العِبر. خلاصة القول إن العمل جمع كل عناصر النجاح إن لجهة النص أو الإخراج وصولاً إلى إداء النجوم.

كسر عظم… غياب الاعتبارات الإنسانية

سطوة الفاسد وضميره الميت هو التوصيف الدقيق لمسلسل «كسر عظم»، بحيث سيطرت السودواية على كافة القطاعات بانتظار فتح كوة في جدار الظلم واستغلال المناصب للمتاجرة بالناس كل بحسب نقاط ضعفه.

ويتناول العمل العديد من القطاعات التي لا تقتصر على صراع الكبار في تحقيق المكاسب من خلال مواقعهم الأمنية بل يضيء على مختلف الطبقات الاجتماعية وجيل الشباب الباحث عن ذاته سواء في الوطن أو الساعي إلى الهروب من واقع البطالة وغياب الفرص جراء تداعيات الحرب إلا أنه في جانب من المسلسل يحول إحباطه إلى مشاهد تهكمية تلقائية من خلال حوارات رشيقة وعفوية بين «علاء» و»إيليا» و»سومر» الشباب الذين يتقاسمون السكن ولكل واحد منهم أسلوبه في التعبير عن رؤيته للحياة.

وتحضر أيضاً مشاكل الطلاب في السكن الجامعي في أكثر من جانب بدءأ بأساليب النجاح الملتوية والمشبوهة مروراً باستغلال الطالبات وصولاً إلى استسهال القتل في ظل غياب المحاسبة.

كما لم تغب تجارة الأعضاء ضمن سياق الطرح وهي التي ارتبطت بسنوات الحرب حيث تغيب الاعتبارات الانسانية أمام لعنة المال.

الحوادث التي قدمها العمل عبارة عن شبكة مترابطة بأيدي أمراء السلطة والمال والحرب وما يتبعها من تداعيات حيث كل شيء مباح والغاية تبرّر الوسيلة ورغم أن مشهد انتحار الخير المتمثل بشخصيّة «ريان ـ سامر اسماعيل» أتى صادماً إلا أن أفق انكسار المتسلط لم يتضح بعد بل تضاعفت السوداوية بإجبار صديق «ريان» على حمل وزر جريمة لم يرتكبها بالترهيب والمساومة على حياة والده وفقر حاله.

جدل كبير تمت إثارته حول المسلسل بحيث تم اتهام الشركة المنتجة ومخرجته رشا شربتجي وكاتبه الشاب علي معين الصالح بسرقة القصة إلا أن رد الشركة أتى مختصراً ومخالفاً لتوقعات من سعى لإثارة بلبلة بهدف التشويش على نجاح المسلسل، ويبقى أن ننتظر نهاية حاسمة وقاضية على جبروت السلطة الفاسدة علّ كسر العظم يأتي بإصلاح مأمول لاعوجاج مستفحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى