أولى

واشنطن أمام تحدّي الغاز بالروبل

ضغطت واشنطن على حلفائها الأوروبيين للامتناع عن الاستجابة للمعادلة التي صاغها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للحصول على الغاز والنفط من روسيا، وهي سداد القيمة بالروبل الروسي. وفيما كانت واشنطن تضغط لحساب مواقف أكثر تشدداً تترجم بتوقفهم عن استيراد النفط والغاز من روسيا كانت تواجه بالسؤال عن البديل العملي، بعدما ثبت أن البديل الأميركي أو الخليجي او سواهما يكلف ثلاثة أضعاف كلفة الغاز الروسي لتعقيدات النقل والحاجة للتسييل ثم الشحن بحراً ثم التحويل لضمان الاستخدام. فتمّ التعايش مع معادلة استثناء إمدادات النفط والغاز من روسيا من العقوبات ومن الاستثناء من نظام سويفت، فماذا الآن؟

كانت الحسابات الأميركية تقول بأن موسكو تهدّد بوقف الإمدادات عن الذين سيرفضون السداد بالروبل لقاء مشترياتهم من الغاز الروسي، لأن موسكو وفق الاعتقاد الأميركي تحتاج هذه العائدات كما يحتاجون الغاز، لكن الذي حصل أن موسكو بدأت بالتنفيذ. ومن الطبيعي ألا يكون تأمين زبائن للغاز الروسي بدلاً من الأوروبيين، مشكلة بحجم مشكلة تأمين بديل عنه لمستهلكيه من الأوروبيين. فحسم بسيط في الأسعار سيجعل الزبائن يحجزون لهم دوراً على صف الانتظار، بينما الدولة الأوروبية التي تستطيع الاعتماد على الاحتياط لتغطية فترة انتقالية ستكون مضطرة للإجابة على سؤال من أين ستغطي فارق السعر الهائل بين الغاز الروسيّ والبديل المحتمل؟

هناك خيار من اثنين، إما أن يدفع المواطن الأوروبي فرق السعر وارتفاعاته التي بدأت في كل أوروبا، وزادت عن 20% منذ الإعلان عن بدء موسكو وقف الإمدادات عن بولندا وبلغاريا؛ وهذا يعني تهديد الرفاه الأوروبي الاجتماعي بالخطر، والمخاطرة بموجات احتجاجيّة ساخنة تتسع تدريجاً لتشكيل شارع يصعب التحكم به والسيطرة على تداعياته السياسية، وسيعني أن السلع الأوروبية التي تملك قدرة تنافسية سعرية في الأسواق العالمية مهددة بفقدان هذه القدرة. وبالتالي موجات من الكساد والبطالة والإفلاس التجاري، كما قال المسؤولون الاقتصاديون في ألمانيا عن نتائج كارثية بحجم إفلاس آلاف الشركات وتشريد مئات الآلاف من الأيدي العاملة. ولهذين الأمرين نتائج سياسية في اصطفافات طبقة رجال الأعمال والفئات الاجتماعية الوسطى والضعيفة، والمخاطرة بنزاع طبقي اجتماعي له مترتبات في التموضع السياسي ظهرت طلائعه في “وطنية” جديدة يحملها خطاب اليمين، كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الفرنسية، عبر دعوات مرشحة اليمين ماري لوبان للانسحاب من الناتو، والخروج من نظام العقوبات ضد روسيا.

الخيار الثاني هو أن تموّل الدول هذه الفوارق من خزينتها. وهذا يعني ذهاب الكثير من هذه الدول الى الإفلاس السريع، وغيرها الى النزيف البطيء في الموارد، أو أن تقوم واشنطن بتغطية الفارق بدعم مالي لصندوق أوروبي يعادل الفارق المقدر ب600 مليار دولار سنوياً، فهل تقوم واشنطن بذلك، وهي لم تتورّع عن تقديم عروض أسعار لبيع الغاز الأميركي بثلاثة أضعاف سعر الغاز الروسي، وإن فعلت فالنتيجة انتقال الأزمة بكل ثقلها لتضغط على اقتصاد أميركي، وخزينة أميركية، في ظروف شديدة السوء، بحيث يصير الانفجار شاملاً وانطلاقاً من مركز القرار الغربيّ؟

الذي يجري يقول إن واشنطن لن تدفع وإن الدول الأوروبية ستنقسم بين من ينفذ الطلبات الأميركية ويترك شعبه يدفع الثمن، وبين من يرفض الطلب الأميركي تجنباً لدفع الثمن. وهذا هو الفك والتركيب الذي أراد الرئيس الروسي بلوغه، وهو يناله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى