مقالات وآراء

هل ستتبخّر الوعود الانتخابية بعد 15 أيار…؟

} علي بدر الدين

أيام قليلة تفصل اللبنانيين المقيمين عن اليوم الانتخابي في الخامس عشر من الشهر الحالي حيث ينتظرون قدومه «بشغف وشوق»، بعدما أدلى المغتربون منهم بدلوهم و»أصواتهم» في صناديق الاقتراع، و»اختاروا» بملء إرادتهم من يرغبون بأن يكونوا ممثليهم في البرلمان اللبناني المقبل. لكن يوم الداخل اللبناني الانتخابي في هذا التاريخ والتوقيت يختلف كثيراً عن ذلك اليوم، الذي انتعشت فيه ذاكرة المقترعين، و»صوّتوا» بأمان، وتراصّوا الصفوف بانتظام أمام مراكز وأقلام الاقتراع مثل «الشاطرين» من دون حراك أو «هوبرات» مبالغ فيها، وانْ حاول البعض منهم إفراغ مخزون ذاكرته الماضية، وما حمله من موروث فوضوي وطائفي ومذهبي وغرائزي لتوظيفه في هذا الاستحقاق، لأنه كما يُقال «العِرق دساس» و»الطبع دائماً يغلب التطبع»، لكن هذا البعض ظلّ في دائرة الضوابط والمعايير المطلوبة من دون أن يتجاوز الخطوط الحمر المسموح بها، وقام بواجبه الانتخابي من دون ضغوط او خوف، وظهر المصطفون، كأنهم ملائكة الرحمة والسلام، والتزموا الأنظمة والقوانين الأمنية والرقابية الى أقصى درجات الانضباط، وكانت انتخابات المغتربين اللبنانيين مثالية لا يشوبها شائبة…

غير انّ المعاناة والخشية بدأت عند تشميع الصناديق ونقلها الى المطار إارسالها الى لبنان، ثم وضعها في مصرف لبنان، عندها بدأت القوى السياسية موالاة ومعارضة و»تغيريين» بالتوجّس، من «وضع اليد» عليها ومصادرتها من المنظومة السياسية والمصرف المركزي، كما حصل مع أموال المودعين وغيرها من الأموال العامة، التي نُهبَت وهُرِّبَت وطارت، وطار معها البلد وانهار اقتصاده وأفلست ماليته، وافتقر شعبه وجاع وهُجِّر.

هذا يعني بكلّ بساطة ووضوح انّ انتخابات الأحد المقبل في لبنان لن تشبه انتخابات خارجه، لا في الشكل ولا في المضمون، ولا في الأمن والأمان،  ولا حتى في النتائج، رغم ما يصدر عن وزارة الداخلية من تطمينات، لأنّ التجارب السابقة في أيّ استحقاق انتخابي كافية للدلالة على أنّ الطريق الى مراكز الاقتراع وأقلامها لن تكون سالكة وآمنة، مع التأكيد على انّ الموقعة الانتخابية ستعبُر، والنتائج ستصدر، وشكل مجلس النواب سيتحدّد بالمناصفة بين المكونات، وستعرف الأحجام والأوزان، وستُشكَّل الكتل النيابية، وتنظّم صفوفها من جديد، ويوم 15 أيار 2022 سيصبح من الماضي فيما سيكون اليوم التالي في 16 أيار يوماً آخر. وسيتنفّس المعنيون بالانتخابات الصعداء، ويبدأون بإنزال الحمولة الزائدة عن ظهورهم التي راكمها عليهم، استجداء أصوات الناخبين، حيث اضطر المرشحون او معظمهم، وقواهم السياسية الى التواضع والليونة والمسايرة والمجاملة، طمعاً بالحصول على كلّ «صوت» ممكن، خاصة من بيئاتهم الحاضنة، وقد أغدقوا عليهم الوعود عالية السقف، وتحقيق ما عجزوا عنه طوال ثلاثة عقود، بدءاً من إعادة حقوقهم وأموالهم المنهوبة والمهرّبة الى استعادة مكانة عملتهم الوطنية، و»قصف» عمر الدولار، وتقويض أسس الفساد وملاحقة الفاسدين والسارقين وزجّهم في السجن، الى انتشالهم من العتمة الشاملة وتوفير الدواء والاستشفاء والتعليم والخدمات، والأهمّ الإبقاء على سعر ربطة الخبز المقدّسة عند الفقراء.

كلّ هذه الوعود باطلة جملة وتفصيلاً، لأنّ المنظومة القائمة التي تسلّطت وحكمت هي المسؤولة عن كلّ هذا الحرمان والانهيار والانحدار والسقوط المدوّي للبلد والناس والمؤسسات والخدمات والقطاعات، وهذا لا يستثني مَن سينفُذ من نواب جدد من بين براثن القوى السياسية والطائفية والمذهبية التي تحوّلت الى «بلوكات» من الإسمنت، او الى سواتر حديدية من الصعوبة بمكان اختراقها او تهديدها او التهويل عليها.

أوّل ما ستقدم عليه المنظومة القديمة الجديدة، أنها ستعزل وكالة الشعب لها، والتبرّؤ بالعلن والسر من وعودها وعقودها وما وعدت الالتزام به واقسمت عليه، وستعود أقله كما كانت وأشرس من السابق، وستتحالف من جديد وتعقد الاتفاقات والتسويات والتحاصصات وتقاسم النفوذ والمواقع السلطوية والتعيينات القضائية والتشكيلات الديبلوماسية، وستقرّ الموازنة العامة القاسية، وتستمرّ بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وترفع الدولار الجمركي والدعم عن الاتصالات، وربما الطحين، الى آخر المعزوفة السلطوية من دون ان يرفّ لها جفن، و»سيأكل الشعب الضرب»…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى