مقالات وآراء

تبخّرت الوعود الانتخابية وانفجرت الأزمات المؤجّلة

} علي بدر الدين

بعدما طال ترحالها حطّت الانتخابات النيابية رِحالها، على كمًّ كبير من الأزمات والمشكلات التي تقصّدت المنظومة السياسية تأجيلها ومراكمتها، حتى لا تنعكس عليها انتخابياً، فلجأت الى طمس الوقائع والحقائق التي لا تعدّ ولا تحصى، وقد تتحوّل الى “مادة” سريعة الانفجار في وجه هذه المنظومة، وقد تؤثّر على مجريات الانتخابات وعلى مرشحيها تحديداً في بيئاتها الحاضنة، إنْ من خلال المقاطعة او الاقتراع بـ “الورقة البيضاء” أو التصويت العقابي والانتقامي والكيدي.

غير انّ المنظومة “الخبيرة” والمجرّبة” في السلطة وفي كيفية ليّ الأذرع والتطويع وسياسة “الحصان والجزرة”، وفي إطلاق الوعود على طريقة وعد “ابليس بالجنة”، نجحت تماماً في ترحيل الأزمات الاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية والمعيشية، إلى ما بعد عبور العملية الانتخابية ومعرفة النتائج وتشكيل التكتلات والكتل النيابية، وتموضعها السياسي الطائفي والمذهبي المستجدّ، بعدما أفرزت الانتخابات واقعاً نيابياً وسياسياً مختلفاً في المجلس النيابي الجديد، حيث سيظهر دوره وآثاره ومفاعيله على الخريطة السياسية مع أول استحقاق، وهو انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، رغم كلّ عاصفة الغبار التي تثيرها بعض القوى السياسية “المنتشية” بالفوز.

وكنا سألنا في مقال سابق عما إذا كانت الوعود الانتخابية ستتبخر؟ ويبدو أنّ الجواب هو نعم تبخّرت وتطايرت هباءً في الهواء، حتى قبل الإعلان رسميا عن نتائج الانتخابات، ولم تمض ساعات قليلة حتى حلّق سعر صرف الدولار وجنّ جنون العملة الوطنية التي ارتطمت بالأرض وتساوت مع التراب وخسرت ما يقارب 95 بالمئة من قيمتها الشرائية، وكانت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية مدمّرة على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات والخدمات، حيث انفجرت معها الأزمات دفعة واحدة، ولم يتشظّ منها سوى الشعب، الذي هبّ الى صناديق الاقتراع لنجدة من أفقروه وجوّعوه وأذلّوه، ونسي او تناسى كلّ آلامه وعذاباته وعطالته عن العمل، وحاجته الى الأدوية المخبّأة والمحتَكَرة والمفقودة، والتي أصبحت أسعارها انْ وجدت، ناراً تحرق الأعصاب والجيوب.

لم يجفُّ بعد الحبرُ عن أصابع المقترعين، حتى ضربت “مافيات” الدولار ضربتها القاسية، وهي تخوض لعبة خبيثة لنيل “شرف” السبق لرفع سعر صرف الدولار الى حدٍّ يتجاوز فيه حدود 33 ألفاً بلغها منذ أشهر قبل ان تقتضي “الظروف” هبوطه وتراجعه.

الشعب “المخلص والوفي” لمسؤوليه و”أولياء نعمته” وفق ادّعائه ومصلحته وقناعته سقط في الامتحان الانتخابي مرّة جديدة، وقد لا تقوم له قائمة هذه المرّة، ولن يجد من ينتشله من الحفرة التي حفرها ووقع فيها، لأنه بكلّ بساطة لم يحكِّم ضميره ولم يفكِّر بمصلحته ومستقبل أجياله، بل احتكم الى غرائزه وعصبياته الطائفية والمذهبية والزعائمية والمناطقية، والى شعارات وعناوين ووعود لا هدف منها سوى التجييش والتعبئة والتحريض والاستنهاض لزوم العملية الانتخابية، وبعدها ينتهي مفعولها، وهذا ما هو حاصل اليوم، بعد أيام قليلة من انتهاء الانتخابات حيث الدولار “يطجّ” صعوداً وقد يكون من دون سقف، والمحروقات بلغت أسعارها أرقاماً عالية و”الخير لقدام” وقد تفقد من السوق، وفق ما يقول تجار ومحتكرو وشركات المحروقات، في حين انّ المعادلة الجديدة، انّ القمح موجود والطحين كذلك ولكن الخبز “مقطوع” والشعب “الطيب” يقف “فخوراً” في الطوابير أمام الأفران لساعات من أجل الحصول على أدنى حقوقه، ولا يمكن أن نغفل إبلاغ الشعب انّ ساعتي التغذية بالتيار الكهربائي قد طارتا بسبب نفاذ مادة المازوت.

هذه “الانفجارات” الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية التي ستتفاقم ربما أكثر مما هو متوقّع لها، ليست سوى هدايا ملغومة من المنظومة السياسية الى شعب لبنان العظيم، الذي لبّى بشجاعة وحميّة نداء الواجب الانتخابي، و”ترجمة فعلية” للوعود الكاذبة التي أطلقتها من دون قسَم.

الانتخابات انتهت وطويت صفحتها، وكلّ التحليلات و”الهوبرات” والتوقعات وأحاديث الأحجام والأوزان والأعداد، والتكتلات، لا قيمة لها، لأنّ مصير البلد برمّته على المحك، وانّ الرهان على المنظومة السياسية التي جدّد الشعب “ثقته” العمياء فيها كان في غير محلّه، كما انّ الاعتماد على وعي معظم هذا الشعب، اليوم وغداً وبعد غدٍ، سقط في الانتخابات، المهمّ ان يوقف “النّق” والتأفف والتململ والشتم، لأنه ضيّع فرصة لا تتكرّر إلا كلّ أربع سنوات، في حال بقي وطن ودولة وشعب ومؤسسات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى