أخيرة

القوميّة الاجتماعيّة عقيدة تغيير وجه التاريخ

} يوسف المسمار*

 

ما من أمة نسيت دماء شهدائها، واستخفّت بآلام مجاهديها، وفعلت بأبطالها ما يفعله الأطفال بألعابهم حين يحطّمونها الا أصابها الشلل والتفتت والإبادة.

 وما من جيل يحوّل نظام الفكر والنهج الصالحين الى فوضى تضارب الأنظمة إلا وتضيع قدسيّة الدماء والتضحيات والآلام العظيمة والبطولات في مهب الرياح، وتتحوّل عظمة المُثُل العليا الى غايات حقيرة تُذلّ بلاد العبقرية والنبوغ وتحوّل الأمة الى فتات غبائر تتراكم في سراديب العدم وكهوف الفناء ويصبح هذا الجيل مثال عار في التاريخ ولعنة في كتب الأمم الحيّة تتناقلها الأجيال للتحذير من خوف العدوى وتجنباً لمضاعفاتها ونتائجها الوبيلة. وما من جماعة هجرت النظرة الصالحة الواضحة الجديدة للحياة الراقية، والكون الذي هو ميدان جهاد المواهب، والفن الذي هو إبداع العقول والقلوب إلا وتخلفت وانحطّت قيمتها وسببت المآسي لنفسها ولأمتها وأجيال الأمة وأصبحت نكرة من منكرات الوجود والحياة.

فواهب العقل عزيز، وهب خلقه العقول ليكونوا أعزاء. ولا يرضى لهم إلا الوعي والعز. ولن يرضى عنهم الا اذا كانوا واعين أعزاء. فمن الوعي والطموح والعز انبثقت النظرة الكليّة الشاملة الى الحياة والكون والفن التي ولدت من رحمها الفلسفة المادية – الروحية الإنسانية (المدرحية). عقيدة قومية اجتماعية. عقيدة انتصار قيم الحق والخير والجمال في أبناء الحق والخير والجمال.

فالنظرة إلى الحياة تعني أن نفهم الحياة فهماً سليماً جميلاً يرفع الحياة بالرقيّ إلى أعلى ما يمكن أن تصل اليه النفس الإنسانية في حياتها من عميق المعرفة ورقي ممارسة الفضيلة، وعظيم الطموح الى أعلى المُثُل السامية، ونشر وتعميم قيم المحبة والرحمة والتواصل بين الأمم لتكون الأمة قدوة حسنة للأمم.

والنظرة إلى الكون تعني أن نَنَمّي حيويتنا وقدراتنا وطاقاتنا وإمكاناتنا لاكتشاف نواميس الكون وخباياه وأسراره وكل ما يخفيه عنا لنكون جديرين بموهبة العقل المنفتح على جميع الأبعاد لفائدتنا وفائدة الإنسانية جمعاء، وليس لإهمال قدراتنا ومواهبنا ورميها في مستنقعات الخمول والإهمال والنسيان.

أما النظرة إلى الفن، فهي تعني أن نخلق كل ما هو جميل، وننتج كل ما هو خيّر ونافع ورائع لفتح الآفاق الواسعة أمام نفوسنا وعقولنا والقلوب فترتاح النفوس، وتقنع العقول وتنتشي القلوب وتنتعش الأدمغة فنرى من الجمال ما لم تره عين بشر، ونسمع من أنغام الرقيّ ما لم يخطر على بال شعوب، ونشمّ من روائح العطور ما لم تعرفه أنوف الأجيال الماضية، ونحس تأنسن الملائكة تتجسّد بيننا نسائم تعالٍ وتسامٍ تحثنا الى قمم تناهي قيم الحق والخير والجمال التي لا نهاية لها فنتجاوز بذلك الملائكة بالارتفاع والعلوّ والسموّ.

هذه هي النظرة الى الحياة والكون والفن التي نبعت منها عقيدة القومية الاجتماعية لتكون عقيدة انتصار. هذه هي عقيدة الجيل الجديد الذي سعى العالم الاجتماعي والفيلسوف انطون سعاده لخلقه بقوله:

 «الجيل الجديد جيل جبار مهمته العظمى: رفع الحياة، وفهم الكون، وإنشاء الفن، وتغيير وجه التاريخ».

من أجل تغيير وجه تاريخ الفتوحات العتيق الرديء المدمّر للحضارة التي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس الحق والعدل ورفض الباطل والظلم بنصرة الحق والعدل، وخلق تاريخ فتوحات جديد ينشئ الحضارة ويبنيها ويطوّرها ويعزّز قيمها الانسانية العليا رقياً وتقدماً وتسامياً الى ابعد ما تستطيع فعله قوى الإنسانية الحضارية المادية -الروحية (المدرحية أو الروح – مادية). وهذا لا يتم ولا يقوم الا بوعينا وتولد نظرتنا الجديدة وحصول مُثُلنا العليا السامية، كما وضّح الفيلسوف أنطون سعاده بقوله:

«إن وعينا لقوميّتنا ونفسيتنا الأصيلة، وتولّد نظرتنا الى الحياة والكون والفن، وحصول مثلنا العليا السامية الجميلة هي خير ضامن لقيم الحق والخير والجمال المطلقة والمقيّدة والمجرّدة والمصاحبة».

وهذا خير دليل على أن القومية الاجتماعية المنطلقة من هذه النظرة البديعة والقائمة والمعبّرة عن صحة هذه النظرة هي هي عقيدة انتصار لا انكسار بعده.

* باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى