مقالات وآراء

الإعلام بين الحقيقة والتضليل

} خضر رسلان

دراسة أجراها فريق بحثي اعتمدت منهجية التحليل التجميعي وارتكزت على ثلاثة متغيّرات رئيسية، هي: التضليل، والتصحيح، وقدرة المعلومات المضلِّلة على الاستمرار، وتوصلت إلى أنّ الرسائل التصحيحية استطاعت التقليل من مصداقية المعلومات المضللة، غير أنها لم تستطع وقف انتشارها.

 تنوّعت أساليب التزييف والتضليل مثل المحتوى الملفق ويهدف للخداع والأذى، والمحتوى المزوّر الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية، والمحتوى المضلِّل الذي يستخدم المعلومات بطريقة مضللة لتوجيه الاتهام زوراً، فضلاً عن التلاعب بالمحتوى والسياق والربط المزيف بوضع عناوين أو صور ليس لها صلة بالمحتوى…

جريمة تضليل الرأي العام لا تقف عند حدود بلد معيّن، فالعالم بأسره مرتبط بمنظومة علاقات ومصالح ثؤثر بعضها في البعض الآخر ومن أجل تحقيق هدف تضليل وتأطير الرأي العام من كلّ جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية تم توظيف الإعلام بشكل واضح لتزييف الكثير من الحقائق وذلك بعد إفراغ الرسالة الإعلامية من مضمونها المهني والموضوعي، وبالتالي هناك فروقات واضحة بين الصحافي والإعلامي والمؤسسة الإعلامية التـي تتوافق مع المعايير المهنية والموضوعية وبين تلك الهزيلة التي غايتها التأثير فـي المتلقي ولو على حساب الحقيقة ، إلا أنّ أسوأهم مَن يتعمّد استخدام التضليل أداة لتحقيق غايته في السيطرة بتحريك الرأي العام، والشواهد على ذلك كثيرة إنْ كان على المستوى الدولي حيث كان الإعلام أحد أبرز الوسائل المستخدمة في التضليل الذي اعترف به متخذ القرار ودوائر الاستخبارات الأميركية في توظيف الإعلام من أجل تضليل الرأي العام للوصول الى غايات سياسية محدّدة، كما لحق بالعراق عام 2003، والذي بُنيت أساسات غزوه على فكرة تضليل الرأي العام الدولي وعلى أدلة وواقع لم يكن لها أساس، وبالتالي ساهم الإعلام بشكل كبير جداً في التدمير والمجازر والدماء التي سفكت في العراق دون رحمة باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

أما في لبنان وطن الحرف والقلم حيث اشتهر هذا البلد من زمن بعيد بأنه ملاذ النخب في مختلف مسمّياتها وانه منطلق الإشعاع الفكري والإعلام الحر فقد اقتحمته عوامل جديدة استطاعت ضرب منظومة القيم والأعراف التي دأب عليها ويأتي في رأسها الإغراءات المالية، فضلاً عن الانتشار الهائل لمنتحلي الصفة الإعلامية والصحافية وهم أقرب الى الكتبة المدفوعي الأجر، إضافة الى الكمّ الهائل من المحللين السياسين الذين يتصدّرون الشاشات والمواقع والمبرمَجين بتعليمات مشغليهم، وبالتالي فإنّ ما نراه على الساحة الإعلامية في لبنان يتخطى كلّ حدود، سواء من حيث تنوّع أساليب الخداع والكذب والتزوير الى التضليل الإعلامي. ويتشارك في ذلك صحف وكتاب ومواقع الكترونية تراها تبحث عن أرقام التفاعلات المرتفعة في البحث عن الأخبار المتداولة التي تشدّ الجمهور وتبادر الى نشرها دون التحقق منها.

نماذج من التضليل الإعلامي المبرمج والذي استهدف ويستهدف التصويب على جهة محدّدة لأهداف سياسية بعيداً عن المهنية والموضوعية المفروض مراعاتها فضلاً عن عدم وجود او تفعيل عمل أجهزة رقابية مهمتها ضبط وتصويب الانحرافات الخطيرة التي تشهدها الساحة الإعلامية والتي تهدّد في كثير من الأحيان السلم الأهلي في لبنان:

1 ـ المؤسسات الإعلامية (تفجير مرفأ بيروت نموذجاً)

فور وقوع الانفجار وبشكل ممنهج ومدروس ونظراً لتشابه أساليبها حتى التطابق يتبادر الى الذهن بشكل تلقائي انّ هناك غرفة عمليات واحدة استخدمت العديد من المؤسسات الإعلامية مع جيش كبير ممن ينتسبون الى مهنة الإعلام الى التصويب المباشر واتهام جهة محدّدة وتحميلها مسؤولية ما حدث، وعلى أساس ذلك تمّ بناء فرضيات وفبركة شهود بغية الإيغال في التضليل الإعلامي الممنهج والمتماهي مع الأهداف المرسومة سلفاً للنيل من المقاومة وجمهورها، وبذلك نزعت هذه المؤسّسات الإعلامية عن نفسها صفة المهنية والموضوعية وتميّزت بشكل حادّ في فنون التزييف والتزوير والتضليل الإعلامي، سواء من خلال استضافة شخصيات معروفة الاتجاه والهوى او من خلال فبركة تقارير تساعد في تأطير وتضليل الرأي العام.

2 ـ الكتبة و”المحللون” السياسيون (كتاب في جريدة المدن الالكترونية نموذجا)

من أبسط الأبجديات في الدراسات التي تعتمد منهجية التحليل لحدث أو قضية هو الانطلاق من فرضيات متعددة مكللة بمفردات لغوية على وزن ربما ومن الممكن ويبدو والظاهر بينما نجد في لبنان الكثير ممن يسمّون كتاباً ومحللين يؤدّون أدواراً مرسومة لهم بل هم أحد أبرز حلقات التضليل والتزييف الإعلامي بجيث يؤوّلون حديث جهة ما بما لا تقوله وذلك بما يخدم أهداف مشغليهم بعيداً عن المهنية والموضوعية التي تعدّ من أهمّ مرتكزات الرسالة الإعلامية، وفي هذا السياق وفي متابعة لأحد نماذج الإسقاطات التي تبدو واضحة على لسان أحد كتاب موقع المدن الالكتروني المتخصّص بالتعليق و”التحليل” لخطب أمين عام حزب الله حيث يوغل في نشر خلاصات واستنناجات أول ما تصيب مهنية ومصداقية هذا الناشر، ومثال على ذلك عندما أشار أمين عام حزب الله الى جهوزية المقاومة في حماية الثروة النفطية ومنع العدو من استخراج ايّ مواد من الحقول المتنازع عليها فكان ادّعاء هذا الكاتب انّ مردّ هذا التصعيد يرجع الى الحاجة الإيرانية للتوتير العام لكي تستفيد من ذلك في مفاوضات الملف النووي، وهذا الأمر فضلاً عن كونه قصوراً في الانتماء الوطني فإنه يدخل ضمن سياق التضليل والتزييف الإعلامي.

3 ـ الترويج الاعلامي لفكرة الاتهام السياسي

سلوك بعض الوسائل الإعلامية سواء في مقدّماتها الإخبارية او عبر تقاريرها ورسائل مراسليها الى حذو ما دأب عليه العديد من السياسيين الى المبادرة عند اتهام جهة محدّدة في المسؤولية عن حدث ما أو قضية محددة وعند مطالبتهم بالأدلة والبراهين على ما يدّعونه، يأتي الجواب انّ ذلك اتهام سياسي (وهذه من اهمّ البدع والإبداعات اللبنانية) رغم فداحة هذا الأمر في تضليل الرأي العام وخطره على السلم الأهلي يستمرّون في الإيغال فيه كونه أحد أبرز وسائل التضليل والتزييف الإعلامي وباباً من أبواب الاستثمار السياسي.

في الخلاصة فإنّ توظيف الإعلام في تضليل الرأي العام لحرفه تجاه قضية معينة، يجعله بين خيارين متداخلين؛ إما التعاطي معه بوصفه رسالة إنسانية تزخر بالقيم المهنية والموضوعية وعلماً معرفياً مهماً، أو الانسياق الى أن يكون إعلاماً موجهاً يشارك في عملية الترويج لمنهجية التضليل والتزييف والذي يرتقي به الى مصاف الجريمة التي تحتم على المشرّعين الاسراع في قوننته وتصويبه بما ينسجم مع مندرجات المهنية والموضوعية وهي أهمّ مرتكزات المفاهيم الاعلامية التي ينبغي مراعاتها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى