مقالات وآراء

أهم وجوه الحصار… تنقيب العدو في كاريش المتنازع عليه وعدم السماح به في مياهنا الإقليمية

} د. علي سيد
حقل كاريش للغاز

حقل كاريش للغاز  Karish gas field، هو حقل نفط وغاز طبيعي بحري اكتشف في حزيران 2013. تقدّر احتياطيات الغاز المؤكدة في الحقل بـ 1.3 تريليون قدم مكعب، وقد تصل إلى 3.2 تريليون قدم مكعب.

في 17 تشرين الثاني 2015 أعلنت شركة نوبل إنرجي عن بيع حصتها البالغة 47.059% في حقلي تنين وكاريش لشريكتها فيهما، شركة دِلِك «الإسرائيلية» وفي 4 تموز 2016، أعلنت شركة دِلِك عن احتمال بيعها الحقلين لقطب الاستثمارات العقارية الأميركي لاري ميزل.

تمتلك نوبل إنرجي الأميركية حصة 47.06% من المشروع، أفنير “الإسرائيلية” 26.47%، ودلك “الإسرائيلية” 26.47%. وتشغله نوبل إنرجي الأميركية.

لماذا لا يستطيع لبنان
التنقيب عن نفطه؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال المهمّ الذي يشغل بال الشعب اللبناني في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطال لقمة العيش وحبة الدواء، نشير الى أنه بتاريخ 23/9/2021 تسلم الرئيس عون من الوفد المفاوض تقريراً مفصّلاً يحتوي على استراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية، وصدر بيان رسمي بذلك من رئاسة الجمهورية هذا نصه: «ترأس رئيس الجمهورية اجتماعاً مع رئيس الوفد اللبناني في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن الطيار بسام ياسين، وأعضاء الوفد المفاوض حيث تسلم الرئيس عون تقريراً يتضمّن مراحل المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى تاريخه، واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة، بما يضمن مصلحة لبنان العليا في المحافظة على حقوقه في ثرواته في المنطقة الاقتصادية الخالصة».

ووفقاً للمصادر المتابعة لملف الترسيم، أحال الرئيس عون هذا التقرير رسمياً الى رئيس الحكومة والى الوزارات المعنية لإجراء اللازم كلّ في ما يخصه. وأهمّ ما تضمّنته هذه الاستراتيجية، تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 الأمم المتحدة، كونه ورقة الضغط الوحيدة التي تجبر العدو “الإسرائيلي” على العودة الى المفاوضات وحصول لبنان على كامل حقوقه في ثروته النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعدم ذلك سيسمح لـ “الإسرائيلي” بالمماطلة وتضييع الوقت ليتسنّى له متابعة العمل في حقل كاريش من خلال سفينة الإنتاج  FPSO (التي وصلت من سينغابور) وبدء استخراج النفط والغاز من هذا الحقل دون عوائق، وأكد هذا التقرير أنّ الاسرائيلي لن يتوقف عند هذا الحدّ لا بل سوف يتمادى بعد ذلك ويدعو شركات النفط العالمية للعمل في البلوك 72 الواقع بين الخط 23 والخط 29 وبدء التنقيب في حقل قانا لاستكشافه ومن ثم ابتزاز لبنان وجره الى التطبيع الاقتصادي انطلاقاً من هذا الحقل.

شركات التنقيب

لم تتقدّم أيّ شركة بعروضها للمشاركة في دورة التراخيص الثانية. والأسباب كثيرة ومنها أنّ بعض هذه الشركات تنتظر الضوء الأخضر الأميركي، أما الشركات الراغبة والتي هي خارج الفلك الاميركي فليس لديها القدرة أو الخبرة في التنقيب في المياه البحرية العميقة، وإنْ كان لديها الخبرة فلن تستطيع الحكومة اللبنانية التعاقد معها، والتجارب كثيرة في هذا المجال وفي مشاريع أصغر من ذلك، فالحكومة اللبنانية التي لا تستطيع تعديل المرسوم 6433 وهو حقّ سيادي يكفله الدستور(وهي الآن حكومة تصريف أعمال)، لن تستطيع المجيء بشركات عالمية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية قبل التوصل الى حلّ للنزاع الحدودي البحري مع العدو الإسرائيلي.

مفاجأة «توتال»:
تأجيل التنقيب في البلوك 9

يبدو انّ العقبات أمام سَير لبنان بملف التنقيب عن النفط والغاز لن تنتهي فصولاً، فبعد توقف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لفترة وإهمال لبنان توقيع المرسوم 6433، ظهرت عقبة جديدة تتعلق بشركة «توتال» المخوّلة التنقيب في البلوك 9.

كشف مصدر متابع لملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان انّ شركة «توتال» طلبت من لبنان في رسالة وجهتها الى هيئة إدارة قطاع البترول تأجيل موعد الحفر في البلوك 9 والذي كان مقرّراً أن يبدأ العمل به قبل نهاية شهر أيلول من العام 2022.

مع العلم انه كان يُفترض بشركة «توتال» ان تبدأ بالتنقيب في هذا البلوك في منتصف العام الحالي، الا انه وإبان جائحة كورونا اتخذت الدولة اللبنانية سلسلة قرارات بتمديد مهل للعقود كان من ضمنها عقد الاستخراج والاستكشاف للبلوكين 4 و 9 والذي تأجل حوالي العام.

ويعيد هذا القرار بالذاكرة الى ما جرى في العام 2020 عندما سرت معلومات نقلت عن لسان السفير الفرنسي بأنّ شركة «توتال» باتت تفضل دفع البند الجزائي على المغامرة في الاستكشاف في البلوك 9 وانّ لديها النية للانسحاب من لبنان. فهل يأتي توجهها هذا تمهيدياً للانسحاب؟ أم أنّ هناك أسباباً غير معلنة، ولن تُعلن وراء هذا التوجّه؟

 وعن الآمال المعقودة على البلوك 9 على اعتبار أنه بئر غني بالغاز خصوصاً أنه يجاور آبار اكتشفت فيها كميات كبيرة من الغاز تقول المصادر: في صناعة البترول لا يمكن لأحد ان يعلم مسبقاً ماذا يوجد في قاع البحار الذي يتخطى عمقه الـ 3000 متر.

بدء الحفر في حقل “كاريش»…
متى الردّ اللبناني وكيف؟

البدء بالحفر ليس عبثياً بالنسبة لـ “إسرائيل”، فهو مكفول بضمانات تحدثت عنها صحيفة “Les Echos” الفرنسية من خلال تصريحات صادرة عن المدير التنفيذي لـ «إينرجين” في “إسرائيل”، شاؤول زيماش، الذي أكد أنّ الشركة “تلقت ضمانات بأنّ كاريش بأكمله يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل”، من دون أن يوضح مصدر هذه الضمانات.

من الطبيعي أن تكون واشنطن هي من قدّمت هذه “الضمانات” التي مهّدت لإبحار سفينة الإنتاج إلى المياه المحتلة ووصولها إلى الحدود اللبنانية، ويتوقع الخبراء أنه خلال مدة زمنية بين شهرين وثلاثة على الأكثر ستسحب الغاز من هناك، علماً أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين جمّد وساطته منذ مطلع العام الحالي، بعد أن نال بحسب الوقائع تنازلات أبرزها التراجع نحو الخط 23 والتخلي عن الخط 29، أيّ أنّ التخلي عن شمال كاريش كلّ ذلك وسط صمت رسمي مريب!

إنّ موضوع الترسيم كان من بين الملفات التي بحثها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في واشنطن خلال زيارته الأخيرة، وهو دعا إلى أن يردّ الجانب اللبناني على آخر اقتراح تقدم به هوكشتاين في بيروت (منح لبنان الخط 23 معدلاً، إذ يقضم جيباً إلى الجنوب من حقل قانا، ويأخذ في طريقه مساحات شاسعة من البلوك 8.

التحذير العلني لحزب الله على خط الترسيم والعبرة في التنفيذ، يدلّ أنه لم يعد ممكناً الوقوف على “الحياد”، و»إسرائيل» تستغلّ الوقت في التنقيب وتلزيم الشركات والاستفادة من الثروة، بينما لم يحرّك لبنان ساكناً بعد وهو الرازح تحت وطأة أزمته المالية.

وكانت Energean Power ووفقاً لاتفاقها مع العدو الإسرائيلي، بحسب ما هو منشور على موقعها الالكتروني، قد عمدت في آذار إلى ربط حقل “كاريش” بما يسمّى “خط الغاز الوطني في إسرائيل”، قائلةً إن ذلك يشكّل حجر أساس في تسهيل الاستعداد العملي لتطوير العمل في “كاريش”.

وفي وقت سابق، تمّ تحقيق الاتصال العملي بين نظام Energean Power  الواقع على شاطئ شمالي فلسطين المحتلة بما يسمّى “خط الغاز الوطني في إسرائيل” عبر وصل قسمين من الأنابيب بقطر 30 بوصة.

ومن المتوقع أن يتدفّق الغاز من حقل “كاريش” إلى السفينة Energean Power  الواقعة على بعد 90 كيلومتراً من الشاطئ الفلسطيني المحتل قبالة قرية الطنطورة التابعة لحيفا حيث ستتمّ معالجة ناتج الإنتاج وفصله. فمتى يُفصّل الموقف والرد اللبنانيين مما يجري من سرقة تاريخية لثرواته؟

أخيراً، إنّ كلّ ما هو داخل الخط 29 مناطق متنازع عليها، ولا يحقّ للعدو استخراج النفط أو التصرف بأيّ شيء شمال هذا الخط. وبالتالي، فالمساس بالثروة النفطية اللبنانية أو غيرها، يعتبر تعدياً على السيادة اللبنانية وحقوق لبنان، فطالما أنّ الحدود البحرية لم تُرسّم بعد، سيكون للبنان ردّ كما لو أنّ لبنان قد تعرّض لاعتداء على سيادته وحقوقه.

من يعتقد أنه يوجد حلّ غير الضغط الفعلي على العدو «الإسرائيلي» فهو مخطئ، هذا العدو لا يفهم إلا بفرض حقنا عليه بالقوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى