أولى

بين 6 حزيران 1982 و6 حزيران 2022

 أنطوان سلوان

في السادس من حزيران عام 1982، باشر العدو الصهيوني اجتياحاً عسكرياً للبنان تحت ذرائع عديدة ومختلفة، منها وقف عمليات المقاومة وتحقيق أمن «إسرائيل»، (سلامة الجليل). وقد قام العدو بتدمير البنى التحتية، والأماكن السكنية وقتل وهجّر الآلاف.

واصل العدو اجتياحه من الجنوب حتى العاصمة اللبنانيّة بيروت ومعظم قرى البقاع الغربي، حيث كانت معركة المواجهة الكبرى مع الجيش الشامي في السلطان يعقوب وسقط للعدو عدد كبير من القتلى كما فقد عدداً من جنوده ومُني بخسائر فادحة في الآليات والدبابات، عجز بعدها عن مواصلة اجتياحه للقرى المتبقية من البقاع الغربي.

كانت للعدو مجموعة أهداف أراد تحقيقها من خلال اجتياحه لبنان. أوّلها، تغيير الوضع السياسي بقوّة السلاح وفرض مؤسسات دستورية تابعة تعمل من أجل تحقيق معاهدة «سلام» مع الكيان الغاصب تكون شروطها لمصلحته.

إبعاد المقاومين بمختلف فصائلهم عن شمالي فلسطين المحتلة.

ضرب الاقتصاد اللبناني، من خلال ضرب المؤسسات على مختلف أنواعها والمصانع والمعامل، أيّ ضرب الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة. وإحدى النتائج كانت تدهور قيمة العملة اللبنانية أمام الدولار الأميركي بشكل هستيري تسبّب بخسائر فادحة للأفراد والمؤسسات والشركات. في هذا الوقت كانت المنتجات والمواد الأولية المصنّعة في كيان العدو تغزو الأسواق اللبنانية على حساب المنتجات المحلية الصنع مما زاد الوضع الاقتصادي تعقيداً.

العمل على خلق فتن مذهبية وطائفية ومناطقية وعائلية وعشائرية، تعزز الانقسام المجتمعي وذلك من خلال دعم الصراعات بين أطراف متناحرة وتقديم الدعم والسلاح لجهات متقاتلة والقيام بكلّ ما يمكن أن يزيد من حدة الصراع والتقاتل الداخلي تحت عنوان العدو المعهود «فرّق تسد».

وضع اليد على الثروات اللبنانيّة، تحديداً الثروة المائية، من مياه الوزاني وصولاً الى مياه الليطاني في زمن كانت الحروب من أجل المياه تشتدّ حدّتها.

حصل هذا الاجتياح للبنان في ظلّ تمركز قوات طوارئ تابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان مهمّتها تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 القاضي بانسحاب العدو من الأراضي اللبنانية التي كان قد احتلها عام 1978. ورغم المطالبات الحثيثة لمجلس الأمن من أجل تنفيذ هذا القرار، بقي حبراً على ورق لأنّ الكيان الغاصب هو من بين الكيانات الخارجة عن سيطرة مجلس الأمن العاجز عن فرض قراراته عليه.

وفيما كان العدو يعيش حالاً من الاطمئنان المؤقت لما حقق من إنجازات، بدّدت صواريخ الكاتيوشا التي أطلقتها المقاومة من سوق الخان في حاصبيا، أوهام العدو بتحقيق أحد أهداف اجتياحه. تلتها عملية للمقاوم البطل خالد علوان في مقهى الويمبي في الحمرا أدّت الى سقوط عدد من ضباط وجنود الاحتلال قتلى، وتواصلت عمليات المقاومة بوتيرة تصاعدية ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من بيروت وصولاً الى الخامس والعشرين من أيار عام 2000 حيث أجبر الاحتلال على الانسحاب من معظم جنوب لبنان محاولاً تغطية هزيمته بادّعائه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 الذي بقي في أدراج مجلس الأمن أكثر من عشرين عاماً.

انسحب العدو من لبنان دون قيد أو شرط بعد أن أجهضت أهداف اجتياحه الواحدة تلو الأخرى، وأهمّها إلغاء اتفاق السابع عشر من أيار الذي راهن العدو على أن يكون القيد الذي يكبّل الكيان اللبناني ويجعله تحت سيطرة العدو بالكامل.

وفي السادس من حزيران عام 2022 وصلت الى البحر الأبيض المتوسط، والى منطقة متنازع عليها بين لبنان والكيان الغاصب، السفينة اليونانية «إنرجان باور» للتنقيب عن الغاز في ما يسمّى بحقل «كاريش» لمصلحة كيان العدو.

سبقت هذا الحدث سنوات صعبة مرت على لبنان، جرّت عليه الويلات المختلفة، من ضياع الودائع المالية من مصارفه، الى انهيار اقتصاده بشكل دراماتيكي، الى انفجار غامض شكلاً، واضح الأهداف والأسباب مضموناً، في مرفأ عاصمته بيروت، الى انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي بشكل هستيري مما أدّى الى خسائر مادية كبيرة للأفراد والمؤسسات والتي أصبحت على شفير الاندثار.

تستعدّ سفينة «إنرجان باور» للتنقيب عن الغاز في أراض تؤكد مراجع مختصة لبنانيتها، في عملية اجتياح جديد لممتلكات لبنانية جديدة قد تفقد لبنان المليارات من الدولارات التي هو بحاجة اليها كما ستفقده الكثير من الكرامة الوطنية التي لا تقدر بالمال.

يباشر العدو عدواناً جديد مستغلاً الدعم الأميركي والأممي اللامتناهي لكيانه والذي ما تجرأ ولو مرة على إدانة إحدى انتهاكاته، أو اعتداءاته ولا حتى إحدى مجازره بحق المدنيين الأبرياء العزل.

إنّ الاعتماد على الوساطات والقرارات الدولية لن يكون ذا جدوى اليوم كما لم يكن ذا جدوى بالأمس القريب أو البعيد. «إنّ الحقّ القوميّ لا يكون حقّاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوّة الأمّة. فالقوّة هي القول الفصل في إثبات الحقّ القوميّ أو إنكاره».

وكما كان تحرير الأرض عام 2000 نتيجة لسنوات من المقاومة والجهاد والتضحيات والكثير من دماء الشهداء ولم يكن نتيجة للقرار 425 ولا لغيره من القرارات الدولية، فإنّ حماية النفط والغاز وكلّ الثروات، التي يبدو العدو مصمّماً على فرض سيطرته عليها بالقوة، لن يتحقق لا بالتفاوض ولا بالحوار، بل بالقوة وبمعادلات الرعب، «إن تطأ أقدامكم أرضاً لنا طمعاً بما هو لنا، فإنّ كلّ أرض تعتبرونها أرضكم ستكون موطأ لأقدامنا، وكلّ يد تمتدّ الى ما هو لنا سنقطعها قبل أن تدنّس ما هو لنا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى