مقالات وآراء

قرار التغيير للشعب إذا ما أراد الحياة…

} علي بدر الدين

 مخطئ جداً من يعتقد أنه يمكن التعويل على الطبقة السياسية المهيمنة على مفاصل السلطة ومقدّرات البلاد والعباد بمكوناتها ومنظوماتها وكتلها النيابية، لوضع حدّ للأزمات والمشكلات والانهيارات المتتالية التي تعصف بالبلد منذ عقود، والمتوقَّع لها أن تزداد وتتفاقم أكثر في الآتي من الزمن القريب، لأن لا شيء تغيَّر في ممارساتها وسلوكياتها رغم هذا الكمِّ من الشعارات والعناوين والوعود التي أطلقتها وسوَّقت لها قبل الانتخابات النيابية وخلالها وبعدها، لأنّ المشهد السياسي السلطوي التحاصصي لا يزال على حاله، بل غصَّ بالأزمات والتعقيدات والتجاذبات، والكثير من الشروط المتبادلة بين قوى المنظومة المتسيِّدة والمستبِدَّة، لمزيد من السيطرة ووضع اليد والإمساك أكثر بمواقع السلطة والقرار، ولامتلاك الكلمة الفصل في كلّ صغيرة وكبيرة بالجملة والمفرًّق، بالتواطؤ والشراكة بالسر والعلن، من تحت الطاولة ومن فوقها لا فرق، من دون أن تخشى الشعب ولا ردَّ فعله، لأنها نجحت بإفقاده وجهة البوصلة الحقيقية وانجرَفَ بإرادته أو من دونها، إلى مستنقعها الملوَّث ومياهه الآسنة التي فاضت كذباً ونفاقاً وأوهاماً، لسوء حظه تقبَّلها بشغف وأدمَنَ عليها، فنشَّطت «محركات» غرائزه الطائفية والمذهبية والزعائمية والمناطقية، وحرّكت عصبياته المكبوتة على حساب انتمائه الوطني الذي تحوَّل على ما يبدو عبئاً ثقيلاً عليه، مع أنه مدركٌ وكاشفٌ لزيف هذه المنظومة منذ زمن بعيد، ولكنه تعامل معها كأنها قدرٌ يصعب عليه رفضه ومواجهته وفكفكت «شفراته» وأسبابه الخفية والعلنية، رغم أنه وحده من يدفع الأثمان الباهظة جداً،

 كلّ ما حصل ويحصل من انهيارات وفقر وجوع وبطالة، وفقدان الشعب لأدنى حقوقه في الكهرباء والماء والدواء والاستشفاء والغذاء والرغيف والمحروقات، ومن سطو منظَّم وعن سابق إصرار وتصميم على المال العام والخاص وتحديداً على أمواله المودعة في المصارف، حيث تتنافس المنظومة السياسية والمالية على تحميل المودعين الخسائر دون غيرهم وتبرئة «ذممها» من خلال محاولة إقرار مشروع «الكابيتال كونترول» المشوّه الذي فات قطاره، الموضوع على أجندة الحكومة الجديدة، التي على ما يطفو من مؤشرات ويتوفَّر من من معطيات انّ دونها عقبات تكليفاً وتأليفاً وكأن لا علاقة لهذه المنظومة وليست هي من سرقها وهرَّبها وأودعها في مصارف الخارج،

المفاجأة أنّ بعض الشعب شعرَ بأنه تعرَّض لخيانة ممثليه في البرلمان، وأنهم طعنوه بظهره، وقد أذهلته الصور الاحتفالية بالألوان الزاهية و»العبطات» والقبلات والمصافحات، التي حصلت في الطبعة الأخيرة لجلسة مجلس النواب، حيث اكتمل فيها انتخاب رؤساء ومقرّري اللجان النيابية، وعمد البعض من النواب إلى التقاط الصور التذكارية، كلّ على طريقته، احتفاءً بالنصر المبين،

 أما الذين فوجئوا بهذه الصور رغم «جمالية» بعضها، عبّروا عن غضبهم الشديد وأرعدوا وتوعّدوا بعظائم الأمور، لأنهم لم يصدِّقوا للوهلة الأولى ما رأته عيونهم، ولم يتوقعوا أن يشاهدوا مثل هذا «الغزل» المفاجئ ولا الابتسامات الوردية والصفراء مع أنّ ما حصل هو مألوف ومتاح ومباح، وهو من «عدَّة» الشغل والنفاق والتكاذب والإغراء، وقد نسيَ المتفاجئون او تناسوا من أوصلهم إلى ما هم فيه اليوم، وما حلَّ بهم من كوارث ومعاناة وفقر وقلَّة، ومن سرق أموالهم ومن هجَّرهم وأذلَّهم وحرمهم من كلٍّ حقٍّ لهم في هذا البلد، فهل «وقفت القصة على كم صورة في مجلس النواب؟

لا يا شباب «ما بدّها هلقد» و»مش حرزانة» كلّ هذا الغضب المصطنع ورفع شعار يا «غيرة» الطائفة والكتلة والنواب والقضية أكبر بكثير من الصور والشكليات والدلع، وأيّ ردّ فعل منكم يجب أن يوظّف في المكان الصحّ والاتجاه الصحّ، وفي فضح هذه المنظومة عن «بكرة أبيها»، وكشف ألاعيبها واحتيالها وفسادها وتحاصصها وسمسراتها، وعدَم الغرق «بشبر من الماء»، أو الانجرار إلى مشاهد إلهائية مقصودة لصرف أنظاركم عما أنتم فيه وما ينتظركم ما هو أسوأ وأخطر،

على الشعب واجب الاستفاقة المبكرة والخروج العاجل من الأوهام والآمال المزيّفة حتى لا يأتي وقتٌ يُساق فيه الجميع كالغنم إلى المرعى او الحظيرة أو المسلخ،

لبنان ودولته وشعبه دخلوا فعلاً في أنفاق عميقة ومعتمة، وفي أزمات معقَّدة الخروج منها صعب إنْ لم يكن مستحيلاً، ولم يبقَ سوى نافذة أمل وحيدة، تكمن في إثبات حق لبنان في مياهه ونفطه وغازه وحمايته وانتزاعه من فم التنين الصهيوني وأطماعه التاريخية،

 والرهان في ذلك على المنظومة ساقط سلفاً، لأنها سقطت ماضياً وحاضراً في امتحان الحفاظ على هذا الحق، وقد غلَّبت مصالحها الخاصة على مصلحة الوطن، وفرَّطت باقتصاده وماليته العامة ومؤسساته، ورهنت قرار لبنان للخارج الذي هو من يتحكَّم اليوم بكلّ شاردة وواردة، حتى بحقّ لبنان الثابت والأكيد بثروته النفطية، وما الضياع والارتباك وتشتت الموقف الوطني والسلطوي حول هذا الحق، إلا دليل واضح على هذا الارتهان، والجميع اليوم لا يحرِّك ساكناً أو يتخذ موقفاً أو قراراً وطنياً جامعاً إلا بعد حضور «الوسيط» الأميركي غير النزيه والمنحاز كلياً إلى جانب الكيان الصهيوني،

إنَّ لبنان مصيراً وشعباً وثروات بات على المحك، وهو أمام مرحلة مفصلية وخيارات صعبة إما ينفذ منها، وإما تغرقه إلى الأبد في الفوضى والصراعات والنزاعات التي لا تنتهي وستطيح به وبكم وتدخلكم عنوة إلى نادي الشعوب الفقيرة والجائعة، التي تنتظر «عطف» الدول الصديقة والشقيقة، القريبة والبعيدة لترمي لها من «كراتين الإعاشات» والحصص الغذائية من فوق، أو الموت المجاني على الطرقات جوعاً ومرضاً وقهراً،

القرار الأول والأخير للشعب إذا ما أراد الحياة، وليس لمنظومة عقولها متحجٍّرة ونفوسها للطمع والجشع، ولا تزال «إحداثياتها» منذ أكثر من ثلاثة عقود هي ذاتها، موجهة إلى السلطة والمال، حتى أنها «خانت» النظام السياسي الطائفي الذي ولدت من رحمه، وانقلبت عليه وأخذت مكانه ودوره…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى