هل يدفع لبنان ثمن استهتاره بملف الترسيم؟
} عمر عبد القادر غندور*
تصعب الإحاطة بكلّ النتائج والتفاصيل التي أسفرت عنها زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت واجتماعه الى الرؤساء الثلاثة وعدد من المسؤولين والقيادات في لبنان، ولا بدّ من «قطب مخفية» جرى الحديث عنها تصريحاً وتلميحاً وتبقى من خصوصيات مثل هذه الاجتماعات التي تدور حول المفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وهي المفاوضات التي استعجل فيها لبنان قدوم الوسيط هوكشتاين بعد طول انكفاء!
وفُهم من النتائج الأولية لاجتماع رئيس الجمهورية بالوسيط الأميركي انّ رئيس الجمهورية شرح الموقف اللبناني الجامع وتمنى جواباً سريعاً يماشي سرعة التطورات، وكان تجاوب الوسيط الأميركي واضحاً معلناً انه سيتوجه الى «إسرائيل» ثم يعود الى لبنان في غضون أسبوعين، وهذه معلومة لم تكن متوافرة عند وصول هوكشتاين الى بيروت…
وكان واضحاً تلازم الإيحاء الإيجابي المتمثل بوحدة الرؤية اللبنانية وتناغم الوسيط، وبين التلويح بتهديدات رئيس الأركان «الإسرائيلي» الذي توعّد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا فشلت مفاوضات الترسيم، وقد تزامن هذا الوعيد والتهديد مع مقال نشرته «سي أن أن» يوم الثلاثاء ١٤ الحالي تضمّن مقارنة للقوة بين «إسرائيل» والجمهورية الإسلامية يتناول القوة البشرية وعدد السكان وعدد الجنود والقوة الجوية وعدد المطارات والقوى البحرية وسلاح الدبابات… وخلص المقال الى التنويه بالتطور التكنولوجي والحداثة اللذين يلعبان دوراً كبيراً في تحديد قدرات الجيوش، إذ ترجح الكفة لصالح الجيش «الإسرائيلي» الذي يمتلك العديد من المقاتلات والدبابات الحديثة وغيرها من المعدات المتطورة، وفق المقال الأميركي.
كلّ هذا يندرج في تفاصيل الحرب النفسية، وبوسع «إسرائيل» ان تطمئن او لا تطمئن الى الغموض الذي تعتمده الجمهورية الإسلامية التي تتحفظ على قدراتها التي لا يعلمها إلا الله والقائمون عليها.
ولعلّ ذلك كله يندرج في مسار متلازم من مفاوضات الترسيم بين لبنان والعدو «الإسرائيلي»، الى تعثر مفاوضات فيينا حول الملف النووي بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، الى تهديد رئيس الأركان «الإسرائيلي» للبنان، الى الحديث عن استهداف إيراني لعملاء صهاينة في تركيا، الى غير ذلك من قرقعات إعلامية في فضاء المنطقة نرجو ان لا تتحوّل الى طبول حرب.
ولوحظ انّ الوسيط الأميركي حرص خلال اجتماعه الى اللبنانيين ان يكون مستمعاً أكثر منه متحدّثاً، وحاول الحصول على تعليقات حول ما جاء في خطاب سماحة السيد حسن نصر الله حول ترسيم الحدود البحرية، وأبقى على ارتفاع نسبة التفاؤل بالوصول الى نتائج جيدة.
ورغم انّ الموقف اللبناني هذه المرة كان موحداً، إلا انّ ذلك لا يغفر التلكؤ والاستهتار وإضاعة الوقت والتقصير اللبناني في إدارة هذا الملف السيادي الوطني منذ العام ٢٠٠٧ والذي يتعدّى جميع الملفات الخلافية التي انقسم حولها رجال الحكم! ولولا وصول الباخرة اليونانية العملاقة الى المياه الفلسطينية، لما تنبّهنا الى ضياع ما تبقى لنا من أمل وإغاثة لبلدنا المنكوب، وحتى اليوم يجهل اللبنانيون الخطوط التي تبيّن حدودنا البحرية الجنوبية من الخط 1 الى خط هوف الى الخط ٢٣ الى الخط ٢٩ والمرسوم 6٤٣٣، ناهيك عن كارثة حكومة فؤاد السنيورة مع الحكومة القبرصية عام ٢٠٠٧ والتي وقع عليها وزير النقل يومها محمد الصفدي وحدّد فيها الحدود اللبنانية بنقطتين مؤقتتين النقطة واحد جنوباً والنقطة ستة شمالاً وبذلك يكون لبنان قد تراجع عن حدوده شمالاً وجنوباً والتي يُخشى العودة اليها في المفاوضات غير المباشرة مع العدو!
وكان لافتاً في الساعات الماضية ان لا مكان للبنان في المحادثات المرتقبة بين السعودية والولايات المتحدة خلال زيارة بايدن للمملكة في وقت لاحق، كما انّ واشنطن طلبت من الحكومة الفرنسية التي تبدي بعض الاهتمام بالشأن اللبناني أن لا تتدخل في الشأن اللبناني…!