أولى

تسخين المنطقة تحضيراً لزيارة بايدن

 سعادة مصطفى أرشيد*

في منتصف تموز المقبل سيحل بنا الرئيس الأميركي جو بايدن ضيفاً ثقيلاً بما يحمله من ملفات، وحسب مصادر البيت الأبيض فإنّ زيارته ستقتصر على القدس باعتبارها عاصمة (إسرائيل)، على هامش وجوده في القدس سيزور بعض المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية ومنها مستشفى المقاصد على جبل الطور، وسيعرّج على بيت لحم لزيارة كنيسة المهد وإجراء لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

الجزء الثاني من الزيارة سيحطّ به في السعودية للقاء ولي عهدها الذي سيجمع له ملوك وأمراء ورؤساء عرب في إشارة سعودية تؤكد على زعامتها العربية التي تعفي الرئيس الضيف من عبء زيارة هؤلاء كلّ في عاصمته.

تحضيراً لهذه الزيارة، زار موفد (إسرائيلي) رفيع المستوى السعودية في الأسبوع الماضي؛ وذلك بهدف بحث تطورات الوضع في إيران والملف النووي، وترتيبات انتقال السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية وترتيبات فتح الأجواء السعودية أمام الطيران (الإسرائيلي) المدني والعسكري، وبالطبع عملية التطبيع وانتقالها من المرحلة العلنية غير الرسمية إلى المرحلة العلنية الرسمية.

وتحضيراً للزيارة أيضاً وإعداداً لما يليق بالضيف تجري عملية تسخين لمجموعة من الملفات منها التمدّد التركي في الشمال السوري وعمل الأتراك على إقامة منطقة عازلة تحت إدارتهم وسيادتهم وإسكان اللاجئين السوريين الذين أصبحوا عبئاً عليهم، هذه العملية التركية تصاعدت اثر زيارة الرئيس التركي إلى (إسرائيل) كما اثر تحسّن العلاقات التركية الخليجية، عملية التسخين أخذت شكلاً أكثر عدوانية بازدياد الضربات (الإسرائيلية) لسورية كمّاً ونوعاً وكان آخرها قصف مطار دمشق وإخراجه من الخدمة كلياً وهو المنفذ الجوي الرئيس انْ لم يكن الوحيد لا لسورية فحسب وإنما للمقاومة اللبنانية أيضاً ولمقاتلي الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سورية…

يتزامن ذلك مع توقيع معاهدة أميركية ـ أردنية لا ضوابط لها وخارجة عن مألوف الاتفاقيات العسكرية لانتقاصها من السيادة الوطنية، وتلقى معارضة برلمانية شعبيه واسعة ـ إذ أنها لم تعرض على البرلمان أصلاً ـ ثم ما يصدر عن الدولة الأردنية من أخبار عن حرب مخدرات تقول الأردن إنّ المتورّط بها جهات رسمية وأخرى مقاومة، جاء ذلك اثر عودة الملك عبد الله من زيارة لواشنطن، وكان قد حذر هناك، واثر عودته من انّ فراغاً سينشأ بسبب انسحاب الروس من حدوده الشمالية وانّ الحرس الثوري الإيراني هو مَن سيملأ هذا الفراغ، وفوق ذلك كله تعيش حوران وجبل العرب (الدروز) حالة من الفوضى والقلق.

بهذا تتعرّض سورية ـ الجناح الغربي لمحور المقاومة لضغوط شديدة من ثلاث جهات وبالتزامن، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بالتحليل لا بالمعلومات انّ غرفة العمليات التي سبق أن نشطت باسم «موك» قد عادت إلى العمل.

ما يجري على الجبهة السورية هو ما سيجري في القريب على الجبهة اليمنية عندما تنهار الهدنة الهشة التي تمّ تجديدها لشهرين في الثاني من هذا الشهر، وقد سمحت للسعودي والإماراتي بالتقاط الأنفاس، وللتذكير فهذه الحرب بدأت في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق أوباما الذي شغل بايدن معه منصب نائب الرئيس، وكان بايدن قد رفع شعار إنهاء هذه الحرب في دعايته الانتخابية…

يمتدّ التسخين إلى الجبهة اللبنانية داخلياً عند العمل على تشكيل الحكومة وخارجياً في رسم الخرائط البحرية وما سيثيره خط 29 من لغط داخلي أو مع (الإسرائيلي)، ثم إلى غزة المحاصرة من القريب والبعيد وحدودها دائمة التوتر، إلى الضفة الغربية التي تعيش أجواء حرب بالتقسيط، فالاجتياحات والاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات قد أصبحت حدثاً متواصلاً مترافقة مع مصادرة الأرض وقلع الأشجار وإحراق المحاصيل الزراعية والاستيطان، بالطبع معركة القدس أيضاً التي حقق فيها (الإسرائيلي) تقدّماً لصالحه بالنقاط أمام ناظري الفلسطيني المقاوم والآخر المفاوض وكذلك الأردني صاحب الولاية والوصاية.

تأتي زيارة بايدن في وقت تتراكم عليه الهموم والمشاكل منها ما هو مرتبط بأدائه الهزيل وشعبيته المنهارة، ومنها ما يتعلق بصراعه مع الجمهوريين، ومنها العالمي كالأزمة الروسية ـ الأوكرانية ومسألة تايوان وبحر الصين، ثم الخلافات الصامتة التي تعصف بحلف شمال الأطلسي والتي كشفتها الأزمة الأوكرانية إذ أصبح من الجلي انّ المصالح الأوروبية لم تعد تتلاقى مع الرؤية الأميركية في ملفات عديدة، وهناك أزمة الغذاء العالمية وارتفاع الأسعار التي سنكتشف قريباً أنّ لها أسبابها التي تسبق الحرب مع أوكرانيا، وأنها ذات أسباب وأبعاد أخطر وأعمق.

ماذا يريد بايدن وما الذي نتوقعه منه؟ حسب تصريحاته فإنّ ما يدعوه للزيارة هو أمن (إسرائيل) وإقامة ترتيبات أمنية للمنطقة، وأنّ لقاءه ولي العهد السعودي لن يكون من أجل بحث مواضيع نفطية كزيادة الإنتاج والسيطرة على الأسعار، فتلك مسائل عالجها ـ ربما هاتفياً ـ إنّه أمن (إسرائيل)، ومزيد من التعاون بين (إسرائيل) والسعودية وبناء حلف (إسرائيلي) ـ عربي في مواجهة إيران.

لن يبخل بايدن او يقصر في نثر شيء من المال، يقال انه سيسدّد ديون مستشفى المقاصد، وربما يدفع ما يساعد السلطة في فاتورة الرواتب، ولن يبخل في دعم من اهتزت شرعياتهم من ملوك وأمراء ورؤساء الذين سيهرعون للقائه في السعودية، فالدعم الأميركي حسب ما يرون أولى من شرعيتهم الانتخابية او الشعبية، في ظني ولا أرى بذلك إثماً أنّ أنظمتنا وحكامنا لا تريد شيئاً آخر.

ما تقدّم يضعنا في دائرة الخطر، إننا ندخل في التجربة التي تستدعي منا كثيراً من المراجعات السريعة في وقت ضيق، قد ندفع أثماناً باهظة دفاعاً عن أنفسنا وعن وجودنا، هذه ليست دعوة للانتحار أو التسرع والارتجال، وإنما لإيجاد وتنظيم ما أقله آليات توازن الردع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى