أولى

هل ينشأ «التحالف الشرق أوسطيّ» لدمج «إسرائيل» في المنطقة؟

 العميد د. أمين محمد حطيط*

في لقاء عسكري رفيع المستوى عُقد برئاسة أميركية في شرم الشيخ ضمّ «إسرائيل» ودولاً عربية في الخليج من أجل البحث عن أطر تنظيمية تمكن من التعاون العسكري بين الدول والكيانات المشاركة لتفعيل عمليات الدفاع الجوي في وجه المخاطر التي تتهدّد المشاركين، والتي يمكن ان «تصدر عن إيران وحلفائها في محور المقاومة»، وقد بقي الاجتماع الذي غابت عنه الكويت وسلطنة عُمان بعيداً عن الأضواء الإعلامية لكن المعنيّين به، وكلّ في نطاقه ووفقاً لقدراته انصرف للقيام بما هو مطلوب منه او يقدر عليه في سبيل إخراج التفاهمات من الغرف المغلقة الى التطبيق في ميدان الواقع.

بيد انّ ملك الأردن وبعد ثلاثة أشهر على عقد ذاك الاجتماع، خرج بموقف علني يدعو فيه الى إنشاء «ناتو عربي إسرائيلي إقليمي» لمواجهة التهديدات الأمنية التي تشكلها دول تتصدر إيران المشهد فيها، وكذلك كان حال الإعلام الذي راح يتناول زيارة بايدن للمنطقة في منتصف شهر تموز المقبل، مروّجاً للقول بأنّ جزءاً هاماً من جهد الرئيس الأميركي سيخصّص في الرياض لمسألة التحالف العسكري بين شركاء أميركا وأتباعها في المنطقة وبلورة إطار جامع لها تحت مسمّى «التحالف الشرق أوسطي للدفاع الجوي» الذي ترشح «إسرائيل» لعضويته 10 دول عربية وإقليمية دون أن تسمّي هذه الدول.

في المقابل نجد أنّ دولاً يُشار إليها بأنها ستكون في هذا التحالف تتنصل من أيّ استعداد للاستجابة رغم ما قامت به من اتفاقات وتطبيع مع «إسرائيل»، كالإمارات مثلاً ودول لا زالت ترى في التطبيع جريمة ويتشدّد مجلس النواب فيها برفضه كالكويت مثلاً، أما مصر فإنّ وضعها الخاص الذي يشكله جيشها وعقيدته القتالية لا يسمح للتصديق بسهولة أنها ستكون جزءاً من حلف عسكري يجمعها الى «إسرائيل». نذكر كلّ ذلك لنطرح أسئلة تتصل بهذا التحالف المزعوم ولنبحث بشكل خاص عن إمكانية قيامه وعن المستفيدين منه وفعاليته في حال إنشائه وأخيراً دوره ومصيره في أيّة مواجهات مقبلة بين «إسرائيل» ومحور المقاومة،

بداية لا بدّ من التوقف عند طبيعة التحالف المذكور، ونجد من خلال ما تسرّب حوله أنّ ما أملى البحث عن إيجاده كان بشكل أساسي ظهور الثغرات في البنية الدفاعية «الإسرائيلية» التي فضحت وبشكل واسع خلال العام الماضي بدءاً بما حصل في معركة سيف القدس، ثم كانت التهديدات التي شكلتها الصواريخ والمسيّرات اليمنية التي طالت أهدافاً في السعودية والإمارات، وفي دراسات أجرتها «إسرائيل» توصلت الأخيرة الى استنتاج مفاده أن ضيق الحيّز الجغرافي الذي تسيطر عليه او يشغله الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة كان أحد الأسباب الأساسية في انخفاض فعالية القبة الفولاذية التي تؤمّن المناعة والحماية للجبهة الداخلية، وانّ العمل بمنظومة كشف واسعة الانتشار بعيداً عن فلسطين سيعزّز من فعالية منظومة الدفاع الجوي ويرفع من قدراتها في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الموجهة الى «إسرائيل» ولذلك سارعت الأخيرة الى نشر رادارات متطورة في كل من الإمارات والبحرين.

وفي حال قام التحالف كما تتوخى «إسرائيل» (التي أنكرت مؤخرا وجود سعي جدّي لإنشاء حلف عسكري فعلي مكتمل الشروط وتتجه للقول بان القوى المعنية تتحضّر للدخول في تفاهمات واتفاقات دفاعية في مجال الدفاع الجوي) في حال قيامه فإنّ النتيجة الاستراتيجية الأساسية التي ستظهر ستتمثل بقيام منظومة إقليمية تتصدّرها «إسرائيل» بما يشكل خطوة عملية هامة لدمج «إسرائيل» في المنطقة وهو عمل يتخطى بكثير مسالة الصلح والاعتراف والتطبيع، ويعتبر أهمّ وأخطر عمل يستفيد منه الكيان الصهيوني في مسيرة تثبيت وجوده ومنحه فرص قيادة المنطقة،

فأهمية «التحالف الشرق أوسطي للدفاع الجوي» المزعوم تتعدّى كثيراً المنافع والفوائد العسكرية الدفاعية او الهجومية التي سيستفيد منها العدو وتحاكي بعمق المسألة الاستراتيجية العميقة بحيث تنقل «إسرائيل» من حقيقة كونها غدة سرطانية وجسماً غريباً عن المنطقة يجب اقتلاعه لتنعم المنطقة بأمنها وسلامها الوطني والإقليمي الشامل، الى جعل «إسرائيل» قائدة لفريق في المنطقة يعمل بإشراف أميركي ضدّ فريق إقليمي آخر وتضع هي خطط العمل العسكري وتوزع المهام على دول عربية ارتضت العمل تحت قيادتها في مواجهته، خطط ترمي الى خدمة «إسرائيل» وجوداً وأمناً، دون أن يكون لدول المنطقة أية مصلحة في كامل المشهد، وهنا نذكر بأن إيران التي تتدعي تلك الدول أنها تشكل تهديداً لها، لم تمارس منذ نجاح الثورة الإسلامية فيها أيّ عمل عسكري هجومي او عدواني ضدّ أيّ من الدول التي تزعم بأنها بحاجة للدفاع عن النفس في مواجهة إيران، فإيران لم تكن يوماً إلا في موقع الدفاع المشروع عن النفس، أما عن السعودية والإمارات فإنّ ما تشكو منه من تهديد ومخاطر متأتية عن مُسيّرات اليمن وصواريخه، فإنّ هذا الخطر يزول فوراً بمجرد وقف عدوانها على اليمن وليست بحاجة الى أيّ عمل آخر.

فاذا أضفنا هذا الأمر الى حقيقة مصر وواقعها العسكري واتجاهات جيشها وخشية دول أخرى من الانتظام مع «إسرائيل» في أحلاف عسكرية تدافع عن «إسرائيل» في مواجهة المقاومة ومحورها، أمكن القول إنّ ظروف قيام التحالف المزعوم منخفضة الاحتمال جداً، وهذا ما جعل «إسرائيل» تخفف من أهمية الاتصالات والمساعي الرامية لإنشائه وتروّج لفكرة التفاهمات بدل التحالف. وهذا ما جعل أميركا تتنصّل بالأمس كلياً من فكرة إنشاء «التحالف الشرق أوسطي» او «الناتو العربي الإسرائيلي»، وتتجه الى تفسير نشاطات القيادة العسكرية الأميركية الوسطى وتنظيمها لقاءات بين قادة عسكريين في دول الشرق الأوسط ومنها «إسرائيل»، بأنه سعي الى تفاهمات وتنسيق في إطار عمل هذه القيادة الأميركية وعلاقتها بدول المنطقة بعد أن باتت مسؤوليتها تشمل «إسرائيل» أيضاً التي كانت في نطاق مسؤولية القيادة الأميركية في أوروبا،

انّ «التحالف الشرق أوسطي للدفاع الجوي» المزعوم، هو مشروع خطر في كلّ الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية والسياسية وغيرها وهو غير قابل للحياة، هذا انْ ولد. وهو كلياً في خدمة «إسرائيل» ومصالحها، أما الدول العربية في المنطقة فهي لن تستفيد منه بأيّة صورة من الصور، بل بالعكس ستتلقى الأضرار الكبرى منه على كلّ الصعد وسيشكل عامل توتر واستفزاز لا تقوى الدول العربية المرشحة للدخول فيه على احتماله، ولذلك نجد الحذر مسيطراً على أصحاب المشروع، بما يدفعهم الى التردّد في مواصلة السير به حتى خروجه الى العلن، ويبدون ميلاً للاستعاضة عنه بتفاهمات ثنائية وعلاقات تعاون وتنسيق محدّد تستفيد منها «إسرائيل» حصراً دون أن يكون فيها لدول المنطقة حاجة او مصلحة، ما سيضع أمام محور المقاومة تحدياً جديداً عليه مواجهته خاصة إذا تفشت عمليات نشر منظومات الرادارات «الإسرائيلية» في المنطقة وتبعتها منظومات الصواريخ المتوسطة المدى التي لا يمكن السكوت عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى