المالتوفاشية الجديدة
} د. فاروق عبد الحميد العزب*
دأبت الحركات السياسية المتطرفة على استغلال وتحريف النظريات العلمية والاقتصادية والاجتماعية بما يتماشى مع مصالحها وأهدافها، من خلال خلق تبريرات ومسوغات تمنحها مشروعية ممارساتها لأعمال غير قانونية وغير أخلاقية وغير إنسانية.
ربما يكون اصطلاح المالتوفاشية جديد من حيث التسمية، غير أنه من حيث مضمون الأفكار موجود، وانْ كان بشكل منفصل، كما أنه لم تكن تلك الأفكار مبلورة وممتزجة لتشكل ظاهرة سياسية اجتماعية وايدلوجية جديدة متكاملة، كما هي الحال اليوم، فهو مشتقّ من ايدلوجيتين موجودتين أصلاً ومعروفتين، هما المالتوسية والفاشية.
النظرية الأولى وضعها الباحث الاقتصادي ورجل الدين البريطاني (توماس روبرت مالتوس)، والتي تتبنّى قناعات بأنّ النمو الغذائي يزداد بموجب متوالية حسابية (2/4/6/8/10/12)، بينما النمو السكاني يزيد حسب متوالية هندسية (2/4/8/16/32/64) مما يخلق حالة من عدم التوازن بين عدد سكان الكرة الأرضية والكمّ المنتج من المواد الغذائية، وبذلك نكون هناك حاجة للتدخل من أجل إعادة هذا التوازن، وبناء عليه يرى اتباع المالتوسية والمالتوسية الجديدة، بأنّ الأمراض والحروب هي أمر مطلوب وحاجة ملحة ضرورية وظاهرة صحية، من أجل إعادة التوازن بين أعداد البشر وناتجهم من الموارد الغذائية، وقد ذهب فريق منهم الى حدّ المطالبة بعدم تقديم المساعدة والعون للفقراء وتركهم لما هم فيه من مرض وجوع، كونهم هم المسؤولون أنفسهم عن فقرهم ومعاناتهم، وبأنّ ذلك هو أمر طبيعي وضروري من أجل تقليص أعدادهم والحدّ من تكاثرهم.
اما الشق الثاني من الاصطلاح، فهو مأخوذ من الايديولوجية الفاشية المعروفة، بكلّ ما تحمله هذه من عصبية قومية وعنصرية عرقية وكراهية للأجانب ورهاب المهاجرين والتوجه للعسكرة والتسلح والتموضع ضدّ كلّ ما هو اشتراكي.
الخطير في الأمر هو ما يحدث حالياً من تزاوج وتمازج بين الأيدلوجية المالتوسية والأيدلوجية الفاشية، لتنتج فكراً شيطانياً مدمراً، فكراً غير معهود في تاريخ البشرية من حيث خططه وأدواته وطرق تنفيذه، والمتمثلة في مخططات لعمليات إبادة بشرية جماعية، من خلال استخدام واسع لأسلحة جرثومية فتاكة وفيروسات مهجنة جينياً ومصنّعة في مختبرات تعدّ وتموّل من أصحاب هذا التوجه الإجرامي وعلى نطاق واسع وغير مسبوق أو معهود، ومن هنا جاءت تسمية المالتو ـ فاشية الجديدة
لتفسير ما تقدّم يتوجّب التوقف عند ما تمّ الكشف عنه أثناء العملية العسكرية الروسية مؤخراً في أوكرانيا، حيث صرّحت مصادر روسية رسمية عن امتلاكها لأدلة دامغة بوجود العديد من مراكز الأبحاث البيولوجية على أراضي جمهورية أوكرانيا، مموّلة ومدعومة من قبل البنتاغون الأميركي، والتي تقوم بنشاطات وأبحاث مشبوهة لإنتاج أسلحة دمار شامل ذات طبيعة بيولوجية، تعمل وتركز على إيجاد وتطوير أسلحة جرثومية تصيب أقواماً بعينها، بناء على دراسات ومعطيات جينية خاصة بهم، الأمر الذي يعيدنا مجدّداً الى جائحة كورونا ونظرية المؤامرة، وقبل ذلك الى وباء انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير، وسابقاً مرض نقص المناعة العروف (بالأيدز) وفي هذه الأيام مجدّداً مرض جدري القردة.
هنا يبرز سؤال يفرض نفسه ويدعو للعودة إلى تبني نظرية المؤامرة من جديد، هو لماذا تقوم مؤسسة عسكرية أميركية ممثلة بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وباعتراف رسمي منها بتقديم المساعدات والدعم المالي والانخراط في نشاطات مراكز أبحاث بيولوجية، تقول بأنها ذات طبيعة علمية سلمية، ولا تقوم بذلك أجهزة أميركية متخصصة في مجال شؤون الصحة العالمية كوزارة الصحة مثلاً؟
هذا يدعو أيضاً الى الأخذ بعين الاعتبار ما جاء في الفيلم الوثائقي، الذي قامت ببثه قناة «الميادين» في فترة ما قبل جائحة كورونا تحت عنوان (فيروسات ديبلوماسية) ظهرت فيه الصحافية البلغارية (بتروفا) وهي تقوم بتصوير مركز أبحاث «لوغار» التابع للبنتاغون في العاصمة الجورجية (تبليسي) وتوثق شهادات المواطنين الجورجيين القاطنين على مقربة من المختبر وتقوم بطرح أسئلة (في أقلها محرجة) على الموظفين المدنيين الأميركيين العاملين في المختبر والذين يتمتعون على غير العادة بحصانة ديبلوماسية في مختبرات ادّعوا أنها أنشئت لأغراض سلمية.
الجدير بالذكر أنّ مركز «لوغار» هو واحد من مئات مراكز الأبحاث البيولوجية المنتشرة في أكثر من أربعين دولة عبر العالم وتديرها وتموّلها وتقوم بالتغطية على نشاطاتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
مما تقدّم نستطيع التوصل الى استنتاج منطقي، بأنّ هناك مخططات جهنمية غير مسبوقة تجمع بين فكر مالتوس البريطاني وأفكار هتلر الألماني النازي الفاشي، والتي يعدّ لها هؤلاء المالتوفاشيين الجدد والذين ينتمون بالطبع للعرق الأبيض، من أجل القضاء على أعداد كبيرة من البشر ممن ينتمون لقوميات أخرى، باعتبارها إما عدوة أو منافسة لهم (الصين وروسيا)، وكذلك أقوام من أعراق أخرى باتت تشكل عبئاً عليهم كفائض سكاني (العالم الثالث من دول آسيا وأفربقيا وأميركا اللاتينية)، وهم من وجهة نظرهم مجموعات طفيلية غير منتجة، لم تعد هناك حاجة لها ولا بدّ من التخلص منها، بعدما تمّ تجاوز دورها التاريخي في عملية الإنتاج عبر تاريخ الاستغلال البشري، والتي كانت مرهونة ومتغيّرة بتطوّر أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج خلال مرورها في مراحل وتشكيلات اجتماعية ـ اقتصادية سابقة كمجتمعات العبيد في دول العبودية والقن في دول الإقطاع ثم العمال في دول رأس المال من خلال ممارسة التفوّق الطبقي والاستحواذ على الثروات والميزات الاجتماعية والاقتصادية، هؤلاء سوف يتمّ الاستغناء عنهم وعن دورهم في عملية الإنتاج والاستهلاك، في ظلّ ما توصل اليه التقدّم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي الذي يمتلكونه، بحيث تحلّ مكانهم الروبوتات والأدوات التي تقوم على استخدام الذكاء الاصطناعي من غير الحاجة للعمالة البشرية.
هذا التوجه الخطير الذي بات يواجه البشرية، يستدعي أن تؤخذ الأمور على محمل الجدّ، وأن تقوم الشعوب والقوميات المستهدفة بإجراءات فعّالة تأخذ طابعاً أممياً إنسانياً للتصدي للأنانية والكراهية والجشع والعدوانية التي تتملك هؤلاء المالتوفاشيون الجدد ولما يعدّونه من مخططات شيطانية تتعارض مع الطبيعة البشرية وتقوض كلّ القيم الإنسانية.
في الخاتمة، يمكننا القول…
وبذلك يكونون قد تفوّقوا على من سبقوهم من المتطرفين العنصريين من أساتذتهم ومعلميهم عندما قتلوا ودمّروا في حروب سقط فيها الملايين وقتل فيها الأبرياء من نساء ورجال وأطفال قضى بعضهم بالقصف او بالجوع والبرد او في أفران الغاز…