مقالات وآراء

المُفارقات الأميركية ـ الروسية ركائز استراتيجية في لعبة الأمم وملفات المنطقة

} نمر أبي ديب

بالرغم من انشغال المنظومة العالمية «بحرب أوكرانيا» وتداعياتها السياسية العسكرية وحتى الاقتصادية على مجمل المساحة الدولية و»الأوروبية تحديداً»، تخوض القوى الأساسية مُجتَمعة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، وروسيا، حروب استثنائية لامست في استراتيجيتها سقف التصادم السياسي وحتى العسكري الذي رفعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المرحلة إلى أعلى مستوى حين أعلن بصريح العبارة خلال جلسة حوارية في مؤتمر «بطرسبرغ» الاقتصادي الدولي، ما يلي، (لا نهدّد أحداً بـ «الأسلحة النووية» نحن نملكها، وسوف نستخدمها إذا لزم الأمر لحماية سيادة بلادنا)، أتى هذا الكلام بالتزامن مع نشاط دولي مُكَثَّف لقوى أساسية مؤثرة وفاعلة شملت الولايات المتحدة الأميركية، روسيا الاتحادية، وفرنسا على محاور عديدة وجبهات متداخلة سياسية، عسكرية، اقتصادية، رسمت القوى المعنية في عناوينها المُتَشَعِّبة، ونتائجها الاستثنائية الخطوط العريضة لمُجمل المفارقات الدولية في هذه المرحلة ومنه:

ـ «قِمة مجموعة السبع» التي انعقدت في قصر «إلماو» بمقاطعة بافاريا في جنوب ألمانيا، وعلى جدول أعمالها بنود عديدة من بينها البحث عن حلول لأزمات الطاقة، والغذاء وارتفاع التضخم، إضافة إلى «حرب روسيا على أوكرانيا»، وهنا تجدر الإشارة إلى المقترح الفرنسي الذي طرحه الرئيس إيمانويل ماكرون على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في لقاء مشترك عُقِد على هامش «قمة مجموعة السبع» وتمثَّل في إنشاء مجموعة سياسية أوروبية تُتِيح من وجهة النظر الفرنسية إعادة إشراك بريطانيا بأوروبا بعد «بريكست»، حيث تحدثت الإليزيه عن نهج حكومي دولي يُعيد إشراك البريطانيين بأوروبا إضافة إلى «دول غرب البلقان».

ـ ثانياً «التمدد الروسي في أفريقيا» ويُعتبر أحد أبرز مُسببات التصادم الأميركي مع روسيا مستقبلاً، انطلاقاً من مصالح متداخلة عبَّر عنها الجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، بقوله «تحديات أفريقيا وفرصها، وأيضاً مصالحها الأمنية لا يمكن فصلها عن فِرَص ومصالح الولايات المتحدة الأميركية» مُعتبراً أن روسيا والصين لن يتأخروا في استثمار القوة الناعمة في إفريقيا وتحويلها لاحقاً إلى نفوذ سياسي وحضور استراتيجي؟

على صعيد مُتَصل أيقظت الحرب الروسية في أوكرانيا أولويات استراتيجية وجدت فيها الولايات المتحدة الأميركية علامات فارقة في السياسة الدولية، ونقاط ارتكاز وجودية لا يمكن التخلي أو التغاضي عنها تحت أيّ ظرف، منها على سبيل المثال لا الحصر «الجغرافيا الأفريقية» التي أفرزت بمواقفها السياسية وخياراتها الخارجية «مساحات نفوذ روسية» أكَّد على وجودها امتناع 17 دولة عن التصويت، وتَغَيُّب ثمانية، لصالح قرار إدانة روسيا في حربها على أوكرانيا في الأمم المتحدة بتاريخ 2/3/2022.

بالرغم من الأجواء العاصفة الذي رافقت مجمل المواقف التصعيدية في هذه المرحلة، برزت على خط الحرب الروسية الأوكرانية مفارقات جديدة تمثَّلت في مواقف الاتحاد الأوروبي التي عَبَّرَ عنها مؤخراً مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل حين تحدث عن استمرارية الحوار السياسي مع روسيا معتبراً «أنه يتعيّن على الجميع إيجاد طريقة للتعايش معها» أيّ مع روسيا.

أمام هذا الواقع شكلت المفارقات الدولية علامات فارقة في «سياسات دول التصادم» التي تُمَثِّل في طبيعتها الاستراتيجية حدائق خلفية للدول الكبرى أميركا روسيا، ومنافذ بَرِّية عَبَرَت من خلالها الدبلوماسية الأوروبية في هذه المرحلة «مستنقع المراوحة» في التصعيد المستمر إلى مساحات التعايش الإقليمي والدولي، مع أمر واقع روسي سياسي وعسكري فرضته الحرب الأوكرانية على مُجمَل المساحة الأوروبية نظراً لغياب البدائل بالدرجة الأولى، وعدم توفر مقومات المواجهة العسكرية، التي عجزت الدول المعنية عن دفع تكاليفها السياسية المالية وأيضاً البشرية.

انطلاقاً مما تقدّم أكَّدَت المفارقات الدولية على مركزيتها السياسية في الحيات الدبلوماسية كمادة إعلانية قابلة للتجديد السياسي والتمديد الإستراتيجي وفق متطلبات المراحل وأولويات القوى الدولية الناظمة للحدث وأيضاً لأهداف استثنائية قائمة على منطق الاحتواء السياسي في الدرجة الأولى والاستدراك الميداني لمفاعيل التأثير المباشر العسكري وحتى السياسي في الدرجة الثانية، لمسببات رفعت من خلالها روسيا على سبيل المثال لا الحصر سقف التهديد العسكري للمستوى النووي، إضافة إلى إمكانية تزويد بيلاروسيا بمنظومة صواريخ إسكندر القادرة على حمل رؤوس نووية، ضمن محاولات روسية محسومة النتائج، الهدف منها تكريس فلسفة الاستثمار الدائم في مفارقات السياسة الدولية، على قاعدة توفير البدائل، وصياغة عناوين التَحَوُّل المُلزِمة في «السياسة والاقتصاد والعسكر» كسر مفاعيل الهيمنة الأميركية من جهة وتوفير سبل الانتقال الفعلي والحقيقي من عالم القطب الواحد إلى نظام مُتعدد الأقطاب ضامن للتعددية الدولية وأيضاً للتعددية المالية، في «نظام نقدي جديد» قائم على ثلاثية الدولار الروبل الروسي واليوان الصيني.

«المفارقات الدولية» في لعبة الأمم «أوراق رابحة» في السياسة وركائز إستراتيجية، بلغت من خلالها التطورات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية مرحلة أمر واقع روسي، فرضت مفاعيله الحرب الأوكرانية في كلّ من «أوروبا» ومُجمَل دول التصادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى