أولى

لغة التسوية ولغة المواجهة والتخوين

– عندما تستمع لفريق لبنانيّ قرّر منذ سنتين رفض لغة التسوية في الداخل اللبناني ولا يزال يعتبر أن اللغة الوحيدة التي يقبل بها هي لغة المواجهة، تتوقع أن يكون هذا الفريق أشدّ عناداً وثباتاً وتمسكاً بلغة المواجهة نفسها عندما يتصل الأمر بخلاف مع الخارج، خصوصاً عندما يصرّح هذا الخارج بأنه يحاصر لبنان ويتحمّل مسؤولية منع تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن والغاز من مصر، كما هو حال الأميركي، فكيف عندما يكون الخلاف مع خارج آخر هو مَن يرفض هذا الفريق التشكيك باعتباره له عدواً، ويصف كل تشكيك بالتخوين، ورغم إصراره على أنه عدو يختار طريق التسوية لحل الخلاف معه، ورفض لغة المواجهة، واعتبارها تخريباً على المصلحة اللبنانية، كما هو الحال في قضية حقوق لبنان في النفط والغاز.

– هذا السلوك يدل فكرياً على انفصام يعيشه أصحابه في منهج التفكير، ويدلّ على ضياع معيار الهوية الوطنيّة لديه، لكن الأخطر هو أن هذا التباين بين اختيار اللغتين، لغة المواجهة ولغة التسوية، نحو الداخل ونحو الخارج المعتدي على الحقوق، ينسجم مع ما يريده هذا الخارج نفسه في منع أي إجماع وطني لبناني حول حقوق لبنان، ومنع تشكل وحدة لبنانيّة تضغط على هذا الخارج الأميركي والإسرائيلي وتلوّح بلغة المواجهة، من موقع اعتماد لغة التسوية داخلياً لحل الخلافات أو إدارتها. فيصير هذا الفريق مجرد امتداد لموقف الخارج الذي يريد انقساماً لبنانياً بدل الوحدة، وتصعيداً وتوتراً بين اللبنانيين بدل السلام الداخلي، وتكريس الانقسام والتوتر لفرض التنازلات عن الحقوق بالاستناد إليهما. وهذا معنى تسويق لغة التسوية مع الخارج المعتدي على الحقوق كجزء من التبعية للخطاب الأجنبيّ.

– التدقيق قليلاً في مواضيع الخلاف الداخلي التي ترفض حولها لغة التسوية، ويجري الإصرار على اعتماد لغة المواجهة بصددها، يكشف ما هو أخطر، فالقضايا الخلافيّة تنحصر بالموقف من المقاومة وسلاحها، وهي بالتحديد القضيّة التي يكرّس الخارج المعتدي على الحقوق كل جهده لمواجهتها. والأنكى أن أصحاب هذه المواقف ينزعجون عندما يقال لهم إنهم مجرد أبواق لهذا الخارج، ويرفعون أصواتهم برفض التخوين.

– اللبنانيون يفاوضون الإسرائيلي على ترسيم الحدود بوساطة أميركية، بينما الأميركي هو نفسه الذي يحتجز كهرباء لبنان رهينة لمقايضتها بشروطه للترسيم، ورغم ذلك بين اللبنانيين من يملك وقاحة القول إنه يرفض تفاوض اللبنانيين فيما بينهم، سواء على تشكيل حكومة، أو على إدارة أزماتهم، أو حتى حول قضايا الخلاف بينهم.

– الأنكى أن هناك مَن يملأون الشاشات ويطلق عليهم أسماء خبراء ومحللين ومثقفين يروّجون لهذه اللغة العمياء الصماء الـ بلا روح وبلا أخلاق، في بلد ينهار!

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى