أخيرة

يوم القلم: تكريم الكلمة وكتّابها

} سيد محمد رضا مرتضوي*

القلم لغة العقل والمعرفة وأداة للتعبير عن مشاعر البشر وأفكارهم وشخصياتهم. والاحتفال بالقلم هو احتفالٌ بالكتاب والأدباء والمفكرين الذين تركوا إرثاً للبشر يبني لهم حضاراتهم وتاريخهم. هو احتفالٌ بالحرف الذي أقسم به الله عزّ وجلّ في محكم كتابه، وبالكلمة التي كانت قبل كلّ شيء في هذا الوجود.

غير أنّ هذه المناسبة تختصّ بإيران ولا يحتفي بها اليوم سوى طائفة من الشعب الإيراني إذ لا يزال تاريخها غير معلوم بالنسبة للكثيرين. يُقال إنّ أحد ملوك فارس كان يكنّ احتراماً كبيراً لأصحاب القلم من أدباء وكتاب فقرر أن يحدّد لتكريمهم يوماً في السنة فكان الخامس من تموز، الذي أقرّ أخيراً من قبل المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران.

 والأسطورة التي يرويها أبو الريحان البيروني تقول إنّ سبب تحديد هذا اليوم يعود في الواقع إلى أنّ كوكب عطارد معروف بأنه «كاتب الكواكب السيارة»، وبما أنّ عطارد كان معروفاً قديماً بإسم «تير» أيّ برج السرطان الذي يصادف في شهر تموز، فقد سُمّي هذا التاريخ بـ «يوم القلم» أو «يوم الكاتب».

كلّ أنواع النمو والتقدّم والنصر والسلام والمعرفة والاعتراف، متأصّلةٌ في القلم. الحضارات، التجارب والعلوم على اختلافها محفوظةٌ في الكتابة ومن خلالها. يمكن لأيّ شخص أن يمسك قلماً بين أصابعه ويكتب ما يخرج من خياله. القلم يكشف الحقائق. في الحقيقة، القلم معجزة أبدية.

إنّ قَسَم الله في القرآن بالقلم هو أفصح دليل على كرامته وقدسيته. «ن والقلم وما يسطرون ـ أقسم بالقلم وما يكتبون». فأيّ موقع يمكن ان يكون للقلم في حياة البشر؟

من خلال استعراض سيرة الرسول وأئمتنا عليهم السلام، يمكننا أن نفهم اهتمامهم بالكتابة من متونهم وسيرتهم. كان هذا الاهتمام كبيراً لدرجة أنه كان يدفعهم أحياناً إلى إطلاق سراح أسرى الكفار. في صدر الإسلام، كان النبي (ص) بعد نهاية الحروب، يأمر بإطلاق سراح الأسرى الذين يعلّمون عشرة مسلمين القراءة والكتابة. كان هذا الفعل ولا يزال أجمل رسالة وأكثرها فاعلية للإعلاء من مكانة القلم والعلم في مجتمع محروم من الحضارة تلك الفترة.

للقلم أهمية خاصة ومكانة في نمو الحضارة الإنسانية وتطورها. ذلك أنّ ما يسطره المرء بواسطة القلم يبقى ويمتاز بالدقة والعمق، على عكس الكلمة التي تقال شفهياً حيث أنها تنسى مع الوقت وقد تتغيّر.

في النهاية، اللوح والقلم مفردتان تختزلان الوجود وعملية الخلق بأسرها. من هنا، نزلت الكتب السماوية لكلّ الأديان على شكل كلمات. ولولا القلم لما كان هناك وجود للقارئ ولا الكاتب. ولم تكن بينهما هذه العلاقة التي تنمّي الوعي وتساهم في صناعة الحضارات.

*الملحق الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية
في بيروت

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى