نقاط على الحروف

غاز المتوسط بين غابرييل وجنبلاط ومعادلة المقاومة

ناصر قنديل

ارتباك المشهد السياسي الدولي والإقليمي بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومعادلته الواضحة والحاسمة بمنع تصدير الغاز من حقول البحر المتوسط ما لم يحصل لبنان على حقوقه كاملة في الترسيم المنصف والتنقيب والاستخراج، وحاول الأميركيون والأوروبيون والإسرائيليون إخفاء الارتباك بالتجاهل العلني والصمت السياسي، بينما شغل الثلاثة المحركات الدبلوماسية بأعلى القدرة الممكنة، لاحتواء التهديدات التي أطلقتها المقاومة في لبنان، عبر السعي للتوصل الى نتيجة تفاو ضية، فصدرت أول إشارة من لقاء الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين مع وزيرة الطاقة في كيان الاحتلال، وتعميم خلاصة تقول بردم بعض الفجوات التفاوضية في ملف التفاوض مع لبنان، وتبع ذلك قيام السفيرة الأميركية بنقل رسائل بالمضمون ذاته من هوكشتاين، ولمزيد من الاطمئنان أجرى هوكشتاين من جدة ولاحقاً من واشنطن اتصالات مباشرة بعدد من المعنيين اللبنانيين الذين يتابعون الملف، ونقل لهم تفاصيل خريطة الطريق التي يعمل عليها، والتي تتضمن زيارته بيروت هذا الأسبوع، كما تتضمن العودة مطلع آب المقبل لمفاوضات الناقورة توخياً لإنهاء الملف بما يرضي لبنان، وما يتيحه ذلك من رفع الحظر عن تنقيب الشركات العالمية عن الغاز والنفط في الحقول اللبنانية والبدء باستخراجه.

وصل أمس وفد أميركي الى بيروت على خلفية القلق من تهديدات المقاومة التي تربط أمن الطاقة في البحر المتوسط، بنيل لبنان لحقوقه كاملة شاملة للترسيم والتنقيب والاستخراج، وحملت تصريحات صادرة عن رئيس الوفد السفير الأميركي السابق في بيروت ادوارد غابرييل تقول إن أمام لبنان فرصة اذا ضاعت فلن يستطيع لبنان التنقيب عن النفط والغاز قبل عشرين سنة، محذراً من أن الطرف الآخر والمقصود كيان الاحتلال سيقوم بالاستخراج في «مناطقه»، بينما لن يستطيع لبنان فعل ذلك، مضيفاً أن هذه الفرصة لستة أسابيع، سيعني انتهاؤها انتهاء الاهتمام الأميركي بلبنان والمنطقة أمام الاهتمامات الدولية الأشد جذبا للإدارة الأميركية، والكلام الأميركي العنجهيّ المعاكس للحقائق يستحق الرد، فهو يخالف كلام الرئيس الأميركي الذي كسرت معادلات المقاومة مهابة زيارته للمنطقة، وقد جاء يؤكد أن أميركا عادت للمنطقة ولن تتركها للفراغ الذي سيملؤه الروس والصينيون كما قال، فبلسان من جاء يتحدث ويقول، لم نعد مهتمين، أما ثانياً، فإن لبنان بعد معادلة المقاومة لا يستجدي اهتماماً أميركياً بل «إسرائيل» هي التي تفعل، فليذهب ويقول هذا الكلام للإسرائيليين، إنه اذا لم يتم التوصل الى اتفاق خلال ستة اسابيع سقطت الفرصة، لأنها لن تسقط بالنسبة للبنان، واذا لم يصدّق السيد غابرييل فليجرب ويختبر جدية المقاومة في وضع معادلتها قيد التنفيذ بمنع أي استخراج للنفط والغاز من شرق المتوسط. وثالثاً، هل يصدق السفير غابرييل نفسه عندما يقول إن عدم التوصل لاتفاق سيعني ان لبنان لن يستطيع التنقيب لعشرين سنة مقبلة، وإن غيره سيفعل، بينما معادلة المقاومة تقول ببساطة، اذا لم يتمكن لبنان ان يفعل، فلن يتمكن سواه، وليسأل الإسرائيليين من يصدقون، كلامه أم كلام السيد نصرالله؟

الجدية الأميركية وجدت لساناً آخر عبر عنه النائب السابق وليد جنبلاط، ولكن على غير عادة لم يكن موفقاً، فهو كشف سبب الاهتمام الأميركي الأوروبي ودرجة هذا الاهتمام العالية مخالفاً كلام غابرييل، فيقول إن معادلة المقاومة ربطت لبنان بالحرب الأوكرانية، ويشرح مقصده بالقول إن المقاومة تهدد بمنع توريد الغاز من المتوسط الى أوروبا كبديل عن الغاز والنفط الآتيين من روسيا الى أوروبا، معتبراً ذلك إعلان تموضع الى جانب روسيا في حرب أوكرانيا حيث المواجهة بين روسيا وكل حلف الناتو، لكن كلام جنبلاط تجاهل حقيقة كونه لبنانياً أولاً، يفترض أن ينظر لحاجة الغرب لنفط وغاز المتوسط كفرصة للبنان للحصول على حقوقه، وفق معادلة المقاومة. وهنا أخطأ ثانيا ولكن عامداً متعمداً لأنه يعلم خلفية ومضمون تهديد المقاومة، فتصوير المقاومة كفريق في الحرب بين روسيا والناتو عكس الواقع تماماً، لأن المقاومة لم تقل لن يصدر أحد نفطاً وغازاً من المتوسط ما لم يتم التفاهم مع روسيا، بل قالت إن ذلك مشروط بالتفاهم مع الدولة اللبنانية، ولعل جنبلاط يتذكر أن الدولة اللبنانية وقفت من حرب أوكرانيا على الضفة الأميركيّة بالكامل.

الواضح من الحرب الإعلامية والسياسية التي تستهدف معادلة المقاومة تهافت منطقها، بعكس مرات كثيرة سابقة، وعجز أصحابها عن صناعة معادلات موازية لمعادلة المقاومة، والسبب يعود إلى أن المقاومة هذه المرة لا تضع معادلاتها في خدمة قضايا وعناوين وطنية يمكن لأحد أخذها إلى انقسامات موروثة حول الهوية، فالصورة واضحة للبنانيين، الكارثة قادمة وداهمة ولن ترحم أحداً ولا تستثني أحداً، ولا أمل إلا بثروات النفط والغاز، ولا بديل لنيل لبنان فرصة استثمار هذه الثروات بالرهان على كرم أخلاق غير موجود عند الأميركيين، ولا على نزاهتهم المفقودة كوسيط، كما تقول التجربة المرة لأكاذيب الوعود حول استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري منذ سنة كاملة، بل على القوة التي تمثلها المقاومة، وعليها فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى