أولى

التعليق السياسي

… وعادت الجزائر

الجزائر مساحة وعدد سكان وحجماً اقتصاديّاً وموقعاً في الجغرافيا والجوار وعمق ثقافة الاستقلال وقوة الجيش، هي إحدى أبرز الدول العربية في الصف الأول لصناعة القرار، وقد تصدّت الجزائر لهذا الدور في موقعها العربي والدولي منذ انتصار ثورتها العظيمة بتضحياتها الأعظم، وشكلت رصيداً كبيراً لكل نهوض عربيّ، وشريكاً بلا منّة لكل حكومة أو حركة وطنية تقاوم الاستعمار والاحتلال.

كانت الجزائر في عين الاستهداف بسبب هذا الدور وهذه المكانة، وبسبب ما تستطيع وترغب بتقديمه لرفد جبهات المواجهة العربية مع الاستعمار والاحتلال، إضافة لرعايتها الأخوية لكل شقيق في المحن والأزمات، وسعيها الصامت لرأب كل صدع، ودائماً بالتراجع خطوة وأكثر إلى الخلف عن الأضواء لحساب أشقاء عرب آخرين، سعياً لتشجيعهم ان كانوا دون الجزائر قدرة وحجماً وإمكانات، او احتراماً لمكانتهم ان كانوا أكثر قدرة منها أو أوسع تأثيراً.

نزفت الجزائر طوال عشر سنوات، وعضت على جراحها تتألم وحيدة، وبعدما أوقفت النزف لم تدخل النقاهة، عادت تبني وتؤسس داخل الحدود لاستعادة المهمة والتصدّي للمسؤولية خارجها، وفي البيئة العربية الجريحة والمصابة والنازفة ايضاً، وخصوصاً من جرح فلسطين التي كانت وبقيت هماً جزائرياً أول.

تتطلّع الجزائر لتجعل القمة العربية التي تستضيفها قمة النهوض العربي، وهي تقرأ المتغيرات وحسابات المصالح، وتجد أن الظرف يسمح للعرب إن أدركوا المتغيرات وأقاموا حساب المصلحة بدقة، ليجمعوا صفوفهم، ويتخذوا موقعاً منفتحاً على القوى العالمية الفاعلة، قديمها وجديدها، ورسموا خطوطاً حمراء لعناوين المصلحة العربية، وفي مقدمتها مستقبل القضية الفلسطينية، يكتبون عندها مفهومهم الواضح للأمن القومي العربي.

تضع الجزائر معياراً لدرجة الانتباه العربي للمتغيرات، ولدرجة جدية العرب في التعامل مع حساب المصلحة العربية وفقاً للمتغيرات، هو الموقف من سورية ومن عودتها الى الجامعة العربية انطلاقاً من قمة الجزائر.

عادت الجزائر، والذين يقرأون علم الجغرافيا السياسيّة يعرفون أن هذه العودة تحوّل نوعيّ في الموازين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى