أولى

المنطقة العربيّة بين قمّتي جدة وطهران…

 د. جمال زهران

الأمر الذي لم يعّد فيه شكّ، أنّ المنطقة العربية، ومعها إقليم «الشرق الأوسط»، بحكم موقعه الجغرافي الوسطي والاستراتيجي في الوقت نفسه، تعيش تحت ضغوط الصفيح الساخن، فإما أن تنفجر، وإما أن تنجو بانكسار الآخرين، والأغلب أنها في الطريق إلى الانفجار الكبير غير المسبوق.

فقد عقدت القمة الأولى المعروفة بقمة جدة بعنوان (الأمن والتنمية)، حيث اجتمع جو بايدن (الرئيس الأميركي)، الذي بدأ زيارته بالكيان الصهيوني قبل انعقاد هذه القمة بيومين، مع دول مجلس التعاون الخليجي (6 دول)، بالإضافة إلى ثلاث دول عربية هي: مصر والعراق والأردن، لتصبح القمة (1 + 9)، وذلك يوم السبت 16 يوليو/ تموز الحالي. وبعيداً عن الكلمات الدبلوماسية التي ألقيت من جميع الوفود المشاركة، باستثناء الإمارات التي اختفى رئيسها من القمة، وسلطنة عُمان (التي حضر نيابة عن السلطان، ولي العهد)، وبعيداً عن العنوان الموضوع للقمة، فإننا نرى ثلاثة أهداف حقيقية لبايدن مع هذا التجمع مع حلفاء لأميركا وتابعين لسياستها، ولا تستطيع دولة واحدة أن تخرج من مربع التبعية لأسباب لا حصر لها، في مقدمتها الضمان الأميركي لهؤلاء الحكام التسعة، وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي. ولا التفت رغم المتابعة، لمحاولات بعض دول هذا التجمع بأن توجد لنفسها بعض الهامش لحرية الحركة مثل بندول الساعة للإبقاء على علاقات متوازنة بين قطبي النظام الدولي (روسيا + أميركا). حيث إنّ هذه الدول التسع تدور في الفلك الأميركي الاستعماري، والتبعية الكاملة لإرادة القطب الأميركي ومشيئته.

فالأهداف الثلاثة هي: زيادة ضخّ النفط من دولتي السعودية والإمارات على وجه الخصوص، ثم بقية دول الخليج، والتعبئة والشحن ضدّ إيران باعتبارها العدو الاستراتيجي للخليج والصهاينة وأميركا، وتأكيد الوجود الأميركي في الإقليم (العربي والشرق أوسطي)، وإرسال رسالة تأكيد بهذا الوجود لروسيا بعد تدخلها في أوكرانيا، تتضمّن السيطرة الأميركية على الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج العربي. فضلاً عن هدف غير مباشر، وهو دعم الكيان الصهيوني، وتعزيز العلاقات بين هذا الكيان ودول التطبيع والخضوع والاستسلام العربي، والتمهيد لعلاقات جديدة بين الكيان وبين السعودية، بدأت بفتح المجال الجوي لطائرات الرئيس بايدن مباشرة من الكيان، إلى جدة! فماذا كانت النتيجة التي تمخض عنها مؤتمر قمة جدة؟

خلاصة النتيجة، أنّ زيادة ضخ البترول وزيادة الإنتاج من 11 مليون برميل يومياً، وحالياً إلى (13) مليون وهو الحدّ الأقصى لذلك، لا يمكن تنفيذه فوراً، وإنما يأخذ مساراً زمنياً قد يستغرق عدة سنوات، كما صرّح وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحافي عقب كلمات القمة. كما أنه وأد وتكذيب الموافقة السعودية على فتح المجال الجوي أمام الطائرات الصهيونية، للتحرك عبر أجوائها للذهاب للخليج وآسيا، وغيرها، كمظهر لتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني!

كما تمّ نفي إقامة حلف أو تحالف للدول التسع مع الكيان الصهيوني، في مواجهة إيران، وهو ما نفاه تماماً وزير خارجية السعودية بالمؤتمر الصحافي، ورفضته عدة دول عربية مشاركة في مقدمتها مصر، بينما الدولة الوحيدة التي وافقت عليه هي الأردن وعلى لسان الملك عبدالله في حديث تلفزيوني أميركي!

وخلاصة هذه القمة (جدة)، هي أنها لم تخرج عن مظاهرة لمحاولة تحقيق بعض المكاسب للرئيس الأميركي بايدن، يواجه بها الرأي العام الأميركي، الذي يهاجمه بعد تراجعه عن عدم مواصلة هجومه على محمد بن سلمان، وتراجعه عن إصراره بعدم الاعتراف بشرعية ابن سلمان، وضرورة محاسبته على جريمة القتل الوحشية، للمعارض السعودي جمال خاشقجي، داخل السفارة السعودية في تركيا!

وفي المقابل كانت القمة العالمية الثانية، وبعد ثلاثة أيام من انتهاء مؤتمر جدة، أيّ يوم الثلاثاء 19 يوليو (تموز)، والمعلن عنها من قبل، ضمّت الرئيس الروسي (بوتين)، مع الرئيس الإيراني (رئيسي)، والرئيس التركي (أردوغان)، واستمرّت يومين، شملت مباحثات على موضوعات الإقليم بكامله.

وإذا كانت قمة جدة، هي تحصيل حاصل لقوى تابعة وحليفة لأميركا، لم يتمخض عنها سوى إعادة إنتاج الواقع في المنطقة العربية، دون تحريك ساكن في أيّ من الأزمات الإقليمية في اليمن، وفي العراق، وفي سورية، وفي لبنان، وفي ليبيا، وهو شيء مؤسف! إلا أنّ قمة طهران (1+2)، وهي السابعة منذ اتفاق أستانة، بين الزعماء الثلاثة، كانت هادفة إلى تفكيك الأزمات العربية وخصوصاً في العراق وسورية، وفك التشابك التركي في البلدين، واستبعاد استخدام العنف والقوة العسكرية، والتوافق حول الحلّ السلمي للوجود التركي في كلّ من سورية والعراق! وربما تشهد الأيام المقبلة ترجمة حقيقية لذلك. كما أنّ طهران حققت مكاسب تتمثل في تخفيف الضغوط الغربية ضدّها، بإعلان المساندة الروسية لها أولاً، كقوة دولية فاعلة، فضلاً عن التهدئة التركية معها، بما يخفف ضغوط الحوار عليها. واكتسبت أيضاً دعماً في الملف النووي، وفي الملف الخليجي إلخ

وتوافق الزعماء الثلاثة حول رفض سياسة المحاور والأحلاف في الإقليم نهائياً، وهو الأمر الذي أجهض فكرة الحلف العسكري العربي تحت المظلة الصهيونية ضدّ إيران، ليحدث التوازن في الإقليم بلا شكّ، وذلك في المهد، ولم يتجرأ مؤتمر جدة عن الإفصاح عنه!

وإنْ كانت قمة جدة، استهدفت التسخين والإشعال، فإنّ قمة طهران استهدفت الدعم والتهدئة، ولكن في جميع الأحوال، يظلّ الإقليم وقد يعيش على صفيح ساخن، يمكن أن يتفجّر في أيّ وقت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى