مقالات وآراء

«الحاكم» يُذكّرنا دائماً بما ارتكب… ويرتكب المزيد!

أحمد بهجة*

يأبى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلا أن يُذكرنا بنفسه من حين إلى آخر، خاصة عندما يكون هناك احتمال ولو ضئيل بأن يتمّ التوصل إلى رأس خيط يشكل دليلاً قد يؤدّي إلى إدانته على ما ارتكب من جرائم بحق اللبنانيين جميعاً

فبعد سنتين ونصف السنة تقريباً من المماطلة والتسويف، وبعد مماحكات سياسية وإعلامية، ساهمت فيها جهات كثيرة، لطيّ مسألة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ها هي شركة «ألفاريز ومارسال» تواصل عملها الذي انطلق في 27 حزيران الماضي بشكل مكثف في المصرف المركزي

لكن «الحاكم» يجد دائماً وسيلة ما يلتفً من خلالها على الأمور التي لا يريدها، ويسعى إلى التمويه والتعمية عليها، وهذا ما فعله قبل أيام حين أوعز إلى وسائل الإعلام الدائرة في فلكه لكي تفتعل «طنة ورنّة» لخبر انتهاء شركة التدقيق المحاسبي KPMG المكلفة من صندوق النقد الدولي بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان منذ العام 2015 حتى العام 2020.

وأفادت معلومات نقلتها وسائل الإعلام «أنّ التقرير الذي لم يُنشر بعد أفضى الى نتائج جيدة جداً بدليل أنه خلا من تسجيل أيّ مخالفات»! يعني رياض سلامة «بريء»! وبراءة الأطفال في عينيه!

وتجدر الإشارة الى أنّ فريقاً من الشركة يضمّ عدداً من الخبراء العالميين والمتخصّصين في مجال المراقبة والتدقيق لا سيما في التدقيق في المصارف المركزية، أنجز المرحلة الأولى الأساسية من التدقيق عن الأعوام السابقة (2015-2020)، فيما لا يزال التدقيق عن العام 2021 جارياً، علماً أنّ التدقيق الجنائي لا يشمل العام 2021.

وإذ أوضحت أنّ فريق الشركة أجرى تدقيقاً تفصيلياً في كلّ مديريات وأقسام مصرف لبنان دون استثناء، وفي المعايير المحاسبية وفي تفاصيل كلّ العمليات وبكلّ أعمال المصرف عموماً، أكدت أنّ التقرير الذي أعدّه هؤلاء خلُص إلى أنّ القيود سليمة، ولا مخالفات، وانّ العمل كان ضمن المعايير والأصول العالمية»!

إلى هنا انتهى الترويج الإعلامي والدعائي للتدقيق الذي أجرته شركة KPMG في مصرف لبنان، ولكن لم يتأخر الأمر كثيراً حتى انكشف أمام الإعلام أمر الشركة المذكورة التي تبيّن أنها لا توحي بالثقة، إذ سبق أن أدانها القضاء البريطاني وفرض عليها دفع غرامة بقيمة 4.5 ملايين جنيه استرليني لأنها قدّمت تقريراً مزوّراً عن حسابات شركة «رولز رويس»!

كذلك كانت الحكومة الماليزية وصندوق الاستثمار الحكومي الماليزي 1MDB قد رفعا دعوى ضدّ شركة KPMG وطالباها بدفع تعويضات بقيمة 5,6 مليارات دولار. وورد في الدعوى القضائية أنّ شركة KPMG ارتكبت انتهاكات للعقد وإهمالاً في تدقيقها والتصديق على البيانات المالية لشركة 1MDB.

إذنشركة التدقيق المحاسبي التي استعان بها «الحاكم» بموافقة صندوق النقد الدولي، هي شركة متورّطة بقضايا تزوير في أكثر من دولة، وهي جاهزة بلا شكّ لكي تنجز أيّ تقرير لتغطية الارتكابات الجرمية الحاصلة في حسابات البنك المركزي اللبناني، طالما أنّ رياض يدفع ثمن ذلك بسخاء وكرم (طبعاً هو يدفع من جيوب الناس كالعادة).

ولعلّ ذكر دليل واحد على «الزعبرة» في التقرير الذي أعدّته شركة KPMG عن حسابات مصرف لبنان، يكفي لكي يلحق التشكيك كلّ ما جاء في التقريرإذ كيف يمكن لشركة تدقيق تحترم نفسها وتوقيعها أن تخلص إلى نتيجة بأنّ القيود في المصرف المركزي سليمة في الفترة بين 2015 و2020، في حين أنّ هذه الفترة شهدت في بداياتها (2016) صفقات «الهندسات البهلوانية» المالية بفوائدها المرتفعة جداً التي كلفت الخزينة العامة أكثر من عشرة مليارات دولار لمصلحة المصارف الخاصة، وشهدت الفترة نفسها في أواخرها (2019) انهيار العملة الوطنية وضياع أموال المودعين الذين ضاعت مدّخراتهم وجنى أعمارهم.

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى