ثقافة وفنون

أمسية موسيقيّة حاشدة في «دار سعاده الثقافيّة والاجتماعيّة» ـ ضهور الشوير إحياء للثامن من تموز

عبير حمدان

 ايقاع اللحن المتجذر في الأرض يؤكد على رقي حضارة صدّرت للعالم قواعد الجمال وروت عن عظمة بلادنا على امتداد جغرافيتها، لا شيء يعلو على صوت الموسيقى حين تلامس الروح والعقل وتتناغم مع الفكر العميق المترفع عن الشوائب السائدة.

وحدها الموسيقى لغة تتفوق على غبار النزاعات وترسم بلاد من نور يمتد الى العالم كله بتميزه، من أرض أوغاريت السورية كانت المدونة الموسيقية الأولى في التاريخ ربما لا ندرك معاني كلماتها لكن تقاسيم اللحن تجد دربها الى القلب في لحظة تجلي قل نظيرها.

مخطىء من يعتبر ان الفن قد ينفصل عن السياسة، ومخطىء أكثر من يرى في الصخب المستورد فناً يليق به الدخول الى تفاصيل مجتمعاتنا، وواهم من لا ينهل من تراثه ليحدد حاضره ويثبت قدرته على تكوين مستقبله بما يمتلك من خصوصية يخاطب فيها العالم في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والفكرية والفنية والسياسية.

كلمات بسيطة عرّف فيها الدكتور هياف ياسين عن مضمون الأمسية الموسيقية التي احياها وفرقته في دار سعاده الثقافية والاجتماعية ـ ضهور الشوير، داعيا الحضور الى رحلة في عمق الحضارة السورية بما فيها من رقي شكلته مقطوعات عزفيّة كالنشيد الحوري السادس (أوّل مدوّنة في تاريخ البشريّة).

في إطار إحياء الثامن من تموز ذكرى استشهاد باعث النهضة أنطون سعاده، نظّمت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أمسية موسيقيّة في دار سعاده الثقافية والاجتماعية ـ ضهور الشوير أحياها الفنان الدكتور هيّاف ياسين وفرقته الموسيقية.

حضر الأمسية رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، رئيس المجلس الأعلى سمير رفعت، نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، عدد من العمد وأعضاء المجلس الأعلى والمسؤولين المركزيين، رئيسة جمعية نور مارلين حردان، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي، وفد من بلدية ضهور الشوير، وحشد من القوميين والمواطنين.

بداية النشيد الوطني اللبناني ونشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي ثم كلمة تقديم ألقتها غيداء غنّام استهلتها بقول سعاده: “ليست الموسيقى لغة العواطف وحسب، بل هي لغة الفكر والفهم أيضاً، إنّها لغة النّفس الإنسانيّة بكلّ ظواهرها وبواطنها”.

وقالت: نعم، إنّه أنطون سعاده ذلك المفكّر البعيد الغور في ثقافته، الّذي أولى الفنّ والأدب اهتمامًأ بالغاً، إذ كان يدرك أنّ الفنّ الحقيقي لا بدّ أن يصدر عن الحياة وتقلّباتها، عن طريق فهم جديد للحياة يرفع الأنفس إلى مستوى أعلى مشتمل على المثل العليا.

وتابعت: لذلك، وانطلاقاً من عظمة الفنّ في فكر سعاده كانت الدّعوة الموجّهة من عمدة الثّقافة والفنون الجميلة في الحزب السّوري القومي الاجتماعي إلى هذه الأمسية الموسيقيّة بعنوانالتّقليد الموسيقي الشّامييحييها الدّكتور هيّاف ياسين وفرقته الّتي كان لها أثرٌ بارزٌ في عالم الفنّ، ممّا أضفى هالة من الإبداع تربّعت على عرش الأمّة السّوريّة مغنية أحد أهمّ جوانب تراثها الخلّاق الّذي به نرتبط من خلال صلة إيمان راسخ بهذا الفنّ العريق، ناقلين ركائزه عبر الأجيال، عبر أبناء الحياة، ألا وهم أبناء النّهضة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة.

 

عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية: وحدَها وقفاتُ العزّ لزعيمِ الأمةِ ستبقى تُزوبعُ وجدانِنا لتعودَ العدالةُ إلى أم الشرائع

وألقى عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية كلمة جاء فيها:

منذ الثامنِ من تموز، وقبل ثلاثةٍ وسبعين عاماً، انتسب لبنان رسمياً إلى نادي الاغتيالاتْ، وأضاف إلى لائحةِ العقولِ المستهدَفَةِ، عقلًا مبدعاً، حرّاً، شجاعًاً، لينضمَّ إلى قائمةِ الشهداءِ الكبارِ بَدءاً بسقراط، مرورًا بابنِ المقفعِ والحلّاج، وانتهاءً بسعاده.

منذ ذلك اليومِ والجُرحُ ينِزف، والكلماتُ باهتةٌ، ولبنانُ في نفقٍ، ووحدَها وقفاتُ العزّ لزعيمِ الأمةِ تحت قوسِ المحكمةِ الصُوَرية، وفي ساحةِ الإعدامِ، ستبقى تُزوبعُ في وجدانِنا إلى أن تعودَ العدالةُ إلى بيروتَ أُمِّ الشرائعِ، ويُحاكمَ قتلةُ سعاده بتُهمة الاغتيال.

أضاف: رُبّ متسائلٍ: أين نقطةُ العبورِ بين جُرحِ تموزْ وهذا الحفلِ الموسيقي الذي نختتمُ به شهر الفداء ذكرى استشهادِ سعاده؟

انطون سعاده، أيها الرفقاءُ والأصدقاء، لم يؤسّسْ حزبًا شعبوياً، ولا تراكمياً، بل أسّس مدرسةً شعارُها: المجتمعُ معرفةٌ، والمعرفةُ قوة .

والمعرفةُ التي أرادها سعاده هي الكلمةُ وقد لبست  أبهى ما لديها  من حضورٍ فكريّ، وألوانٍ زاهيةٍ، وأنغامَ راقيةْ.

فأهلاً بكم في هذه الأمسيةِ الموسيقية إحياءً لجرحِ تموز .

الأمسية

بعد ذلك، قدمت الفرقة على مدة 60 دقيقة مقطوعات عزفيّة كالنشيد الحوري السادس (أوّل مدوّنة في تاريخ البشريّة) وموشّحات وقصائد ومواويل، ومقطوعات عزفيّة كالبشارف والسماعيات والتحميلات والرقصات والتقاسيم على أنواعها، منها ما هو موغل في تاريخ هذه الأرض ومنها ما هو معاصر.

دروع تقديرية

ثم قدّم عميد الثقافة والفنون الجميلة درعاً تقديرية للدكتور هياف ياسين، وآخر لـ  جابر جابر الفائز في المسابقة الشعريّة الأدبية التي أطلقتها العمدة بمناسبة الثامن من تموز.

لقاءات

على هامش الامسية سألتالبناءالعميد عطية حول أهمية أمسية تختلف عن كل ما هو سائد فنياً، فقال:”الكلمة التي القيتها بداية الامسية تشرح ارتباط الأمسية بالمناسبة حيث ان حضرة الزعيم تكلم عن الفكر والشعر والموسيقى وكتاباته موجودة في هذا الاطار، ونحن كعمدة ثقافة بعد انقطاع لفترة طويلة  اخترنا ان تكون البداية مع الدكتور هياف ياسين وفرقته القادر على ترجمة الموسيقى المرتبطة بالحضارة السورية التي يعود عمرها الى الاف السنين قبل الميلاد وهناك منحوتات موسيقية موجودة ومثبتة حول تاريخ هذه الحضارة”.

واضاف:” اليوم شهدنا انعكاس لحضارة قائمة في دار الزعيم، دار الأمة، لنؤكد اننا في هذا الصرح نقدم الإرث الثقافي لكل الناس دون استثناء وبالتالي كل مواطن مثقف يريد ان يقدم مادة ثقافية هادفة الدار مفتوحة له. وبالطبع لدينا العديد من النشاطات الثقافية التي سيشهدها الدار منها المكتبة ومعارض الرسم وكل ما يتصل بالوعي والادراك الفكري والثقافي الذي ينهض بالمجتمع”.

من جهته رأى الدكتور هياف ياسين  أن الموسيقى السورية فعل مقاومة في بيت الأمة السورية مؤكداً أن التفاعل اساس بين الموسيقى والمتلقي، وقال:” لا شك ان موسيقانا صريحة جداً وهي مبنية على التفاعل بين عزفنا المتواضع والحضور الذي تشرفنا به بدءاً من حضرة الرئيس ومروراً بالعمد والرفقاء، هذه الموسيقى ليست مرتبطة بنوتة موجودة امام العازف إنما هي مرتجلة وهذا ينتج بعد مسار طويل واليوم بدا ان الحاضرين هم من شاركوا في صنع الجزء الجميل من الامسية لجهة التفاعل والطاقة كانت ايجابية فهذا الحضور دفعه حبه للمادة الموسيقية التي نقدمها للمجيء وليس أي سبب آخر وبالتالي هناك مصداقية في الفضاء ككل وهذه المصداقية استشعرها كل الموسيقيين وليس انا فحسب من هنا يأتي تفاعلنا أكثر فأكثر، من هنا اؤكد أننا لم نشعر إلا بالسعادة في دار سعاده وبالفخر، لقد كنا فخورين بأداء جزء من تراثنا الاساسي أي الموسيقى السورية العظيمة في بيت الأمة السورية، وبالطبع هناك تجليات من الصعب التعبير عليها بالكلام انما هي حصلت وعاشها من شعر بها”.

وأضاف:” نحن اصحاب قضية حتى في الموسيقى حين ندافع عن إرثنا ولو ان بعض الاعلام يسقطها من حساباته ويدعم التسطيح الفني للمجتمع بهدف اضعافه واختراقه كما تحدثنا في لقاء سابق، الا اننا كلنا ايمان بمقاومتنا في هذا الاطار، هذه الموسيقى نخبوية فكرية ومن يحب ويعشق هويته الثقافية ويعطي فرصة لنفسه لتأمل ذاته سيجد ما يشبهه، هذه الموسيقى تشبهك وتشبه كل من يريد تلقفها وندعو الجميع الى التواصل معها ونحن هنا لا نرفض الاخرين ولكن ما نقوله ان الاولوية لذاتنا لأمنا لجذورنا، لدينا كنز ثمين علينا التمسك به وايصاله للعالم، شعوب هذه الأمة هم من غنوا بشكل صحيح فكانت أول مدونة موسيقية في التاريخ التي نفتخر بها”.

وختم:” ادعو الجيل الشاب ان يفرح بميراثه الثقافي ونحن اباء وامهات الثقافات في العالم وهذا لن يبدله شيء مهما مر علينا من حروب وتدمير، لدينا لغة خاصة وموسيقى خاصة وثقافتنا عزيزة على قلوبنا وعلينا صونها والقاء الضوء عليها كما تفعلون من خلال منبركم الاعلامي المخلص للمجتمع والأمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى