دبوس
التشخيص والحلّ…
هكذا تحدث كارل ڤون كلاوزڤيتز، إذا كنت في عداد الأبطال، إذن فأين هي جراحك؟ ولكن فلاسفة الحرب الأميركيون لهم رأي آخر، إذا كنت في عداد الأبطال، فأين هي جراح الآخرين؟ وإذا كنت غير قادر أو غير راغب على استخدام قوتك الذاتية في الصراع، إذن، استخدم قوة الآخرين، فالعالم مليءٌ بالأغبياء والمرتزقة…
في الحرب العالمية الثانية، جلست أميركا في الناحية الأخرى من العالم ونأت بنفسها عن القتال المحتدم في أوروبا، وطفقت تتفرّج عن بعد على ذلك المشهد الدراماتيكي، حيث طحن الأوروبيون بعضهم بعضاً في حرب ضروس، أكلت الأخضر واليابس، فتركتهم يستنزفون بعضهم بعضاً، ولم تتدخل حتى الربع الساعة الأخير كي تجني ثمار النصر، وتنسب معظمه الى ذاتها، سمِّ ذلك انتهازية، سمِّه لاأخلاق، ولكن الذي ظفر بكلّ الثمرات هي أميركا، وتسيّدت مذّاك العالم، وهيمنت كما شاء لها ان تهيمن.
الآن تستعيد أميركا التجربة بتصرّف، روسيا مشتبكة مع أوروبا في صراع مرير، ودول شرق آسيا تتهيّأ لصراعٍ مع الصين، وسبع أو ثماني دول في منطقة الشرق الأوسط تستعدّ لخوض صراع مع إيران ومحور المقاومة، وكفى الله الأميركان شرّ القتال، الكلّ ينزف، ولم نسمع بسقوط جندي أميركي واحد…!
كلّ الذي تريده أميركا في إدارة هذه الفلسفة المستحدَثة من الصراع هو أدوات موجودة في كلّ بلد، تأتمر بأمر أميركا ويجزل لها العطاء، وتستحوذ على مفاصل بالغة الحساسية في جسم الدولة، سواءً في الجيش او في المؤسسات المالية او في الإعلام او في مواقع القيادة كيما تسيطر على مطابخ صناعة القرار في هذه الدول، ثم لا نلبث ان نرى امتثالاً مطلقاً لحيثيات فلسفة الصراع الأميركية من قبل كلّ هذه الدول…
ولا أجد شخصيّاً مخرجاً من هذا الارتهان سوى بخطوتين، الأولى رصد الأدوات وتحديدها، والثانية إزالة هذه الأدوات، بمعنىً آخر، تحديد من هم أولئك الذين ولمنافع شخصية يضعون ذاتهم بتصرّف دولة الهيمنة، ومن ثم اجتثاثهم، ولا أجد من ذلك مناص، وإلّا دفعنا من وجودنا ومن حريتنا أثماناً باهظةً الى يوم يوعدون.
سميح التايه