عدم مشاركة حماس وتعزيز قدرة الردع!
ناصر قنديل
بات ثابتاً أن حركة حماس لم تشترك في الردّ العسكري على العدوان الإسرائيلي على غزة الذي استهدف مواقع وقيادات حركة الجهاد الإسلاميّ وجناحها العسكريّ سرايا القدس، وسقط خلالها عدد من المدنيين، كما بات ثابتاً أن حركة حماس كانت على تنسيق تام مع حركة الجهاد خلال أيام وساعات المواجهة، وأنها كانت تتابع مجريات المواجهة وتطمئن إلى ثبات معادلاتها، وتقدّم التغطية السياسية اللازمة للجهاد للظهور كممثل للإجماع الفلسطيني المقاوم، الذي تعبر عنه غرفة العمليات المشتركة، وقد قدّمت هذه المواجهة نموذجاً جديداً عن تقاسم أدوار بين الفصيلين الأساسيين في المقاومة، حماس والجهاد، وأنتجت معادلات تستحق القراءة والنقاش، لكن نقاش بقاء حماس خارج المواجهة العملية والميدانية تحول إلى الاعتبارات العاطفية، سواء بخلفية مواقف مسبقة من حماس على خلفية موقفها من الحرب على سورية، أو بخلفية الرغبة برؤية المقاومة موحّدة في الميدان، وبحكم ما تمثله حماس تقديم مزيد من أسباب القوة التي تنزل بالاحتلال المزيد من الخسائر والأذى، وترفع سقف المنجزات في نهاية الجولة، لكن هذه المخاوف التي تصل حد التشكيك وتفترض أن ما وراء هذه الجولة هو تفاهمات استراتيجية ليست مطروحة أصلاً لدى الجانب الإسرائيلي، لا مع السلطة الفلسطينية ولا مع حماس، ولا مع أي فلسطيني، أو التمنيات التي تصل حد تخيّل أن هذه الجولة هي آخر الحروب بين المقاومة والاحتلال وسيتقرر على اساس معادلات النار والسياسة فيها مستقبل الحرب. وهذا منافٍ للواقع الذي يحتمل جولات وجولات قبل بلوغ لحظة المنازلة الشاملة، ويفترض ابتكار أشكال من العمل والخطط التي تتيح تعزيز معادلات الردع وتصليب بنية المقاومة.
النقاش العقلاني يجب أن يتحرّر من أية خلفية مسبقة وأن يناقش المشهد بما هو عليه، في المقدّمات والسياق والنتائج. ففي المقدمات من الواضح أن قرار العدوان الإسرائيلي استند إلى ثنائية قوامها، من جهة تبلور ملف أمني استخباري يتيح له تقدير إمكانية توجيه ضربة قاصمة لحركة الجهاد وقدرتها الصاروخية، تشارك في تكوينها مع أجهزة مخابرات عربية وأوروبية وأميركية، ومن جهة مقابلة إلى فرضية وضع معادلة استهداف غزة ومنشآتها المدنية والحكومية وأبراجها السكنية ومستشفياتها ومدارسها في كفة ومشاركة حماس في المواجهة في كفة ثانية. ومع الضربة الأولى التي نتج عنها اغتيال القائد في سرايا القدس تيسير الجعبري، أعلن الاحتلال عن أهدافه وأوصل الرسالة إلى حماس عبر الأقنية العربية التي يتم عبرها التواصل الأمني والسياسي والمالي، وإذا أردنا التحرّر من البعد العاطفي في القراءة، ووضعنا جانباً ما يسود قواعد الفريقين من مشاعر العتب والتباري والتنافس، نستطيع القول إن قيادات الجهاد وحماس توافقت على آلية في إدارة الحرب، عبّر عنها بيان غرفة العمليات المشتركة من جهة، وقيام الجهاد بتصدّر المواجهة وتحمل تبعاتها الرئيسية من جهة موازية، على قاعدة أنه في أية لحظة تبدو أعباء المواجهة فوق طاقة الجهاد منفردة، فلن تترك حماس الحرب تذهب نحو منح الاحتلال فرصة تحقيق نصر، ستدفع هي وكل قوى المقاومة أثمانه بصورة لا قدرة لأحد على تحمّلها.
لقد كنا أمام مشهد غير مألوف، حيث تسنى للجهاد، من جهة التحرّر من أعباء حملة تدميرية شاملة تستهدف غزة وتحملها تبعاتها أمام الشعب الفلسطيني، وهو مكسب كبير يريح قيادة المقاومة في خوض حرب استنزاف طويلة، لكن شرطه وثمنه أن تبقى حماس خارج القتال، ومن جهة موازية وفّر ذلك لقيادة الجهاد حرية أكبر في قبول ورفض عروض وقف النار وشروطها وموعدها، بعد أن تحرّرت من شراكة حماس في القرار، وما يحمله من تأثر حماس بضغوط لا تقيم لها الجهاد اعتباراً، وشرط الإفادة من هاتين الميزتين هو أن تتمكّن الجهاد من النهوض منفردة بأعباء تثبيت معادلات الردع، رغم آلام الضربة الأولى ومفاجأتها، وما سيليها من ضربات مشابهة. وكان هذا هو التحدي الذي نهضت به الجهاد أيما نهوض، بصورة أبهرت الأعداء والأصدقاء في الوقت ذاته، حيث انتظمت التشكيلات العسكرية، والصاروخية منها خصوصاً التي تعمل تحت قيادة الشهيدين القائدين تيسير الجعبري وخالد منصور، وأدّت مهامها بصورة غير قابلة للتخيل، سواء في مهارة إدارة النيران وتدرجها، أو في إظهار نظام السيطرة والقيادة في وجبات صاروخية جماعية يستحيل إطلاقها بدون قيادة مركزية مسيطرة بالكامل على منصات الإطلاق، خصوصاً في اليوم الثالث عندما بدا ان الاحتلال يريد وقف الجولة وإنهاءها عند حدود ما اعتقد أنها إنجازاته.
في الحصيلة ثبتت معادلة أراد الاحتلال كسرها، ولأجل كسرها كانت خطة الاستفراد للجهاد واغتيال قادتها، وهي معادلة استهداف العمق الإسرائيلي بصواريخ المقاومة بصورة تعطّل دورة الحياة فيها، وعندما حصل ذلك ظهر الاغتيال مجرد انتقام لا وظيفة عملياتية له ولا مردود عسكرياً يترتب عليه، ومثله بد أن تحييد حماس مجرد توفير فرصة لتحييد المدنيين والمنشآت المدنية تخفف الأعباء عن كاهل الجهاد، وفي الحصيلة، بعيداً عن نتائج الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار لجهة مصير الأسرى من الضفة الغربية ووحدة الساحات، صارت الصورة الجديدة الناتجة عن هذه الجولة، تقوم على معادلة ردع جديدة مزدوجة مختلفة، تمتلك عبر شقها الأول حركة الجهاد فرصة قيادة المقاومة في الضفة والقدس والأرض المحتلة عام 48 تحت شعار وحدة الساحات، وتستطيع حمايتها عبر تكرار معادلة الردع التي فرضتها منفردة في هذه الجولة، وبالتوازي شقّ ثانٍ تمتلكه حماس عنوانه أن حماس سوف تتدخل في أية مواجهة إذا تم المساس بالمنشآت المدنية والمدنيين في أية مواجهة بين الاحتلال والجهاد على خلفية مشروع المقاومة ووحدة الساحات، وصولاً لأن تتحمل حماس مسؤولية وضع معادلة الردع التي تمتلكها في كفة مقابل المطالبة بفك الحصار وتبادل الأسرى، باعتبارها مرجعية غزة والمسؤولة عن توفير الحد الأدنى من شروط الحياة فيها.
تكامل في الأدوار ولد من رحم التحدّي الذي فرضه الاحتلال على قوى المقاومة، وحولته قوى المقاومة إلى فرصة سترافق المواجهات المقبلة وتترك بصماتها على الإنجازات المقبلة.