مقالات وآراء

الحوار الشعبي… أصول مصر المهدورة

محمد شريف كامل*

«الحوار الوطني»، الحوار غير معلوم الهدف ولا محدّد الخطوات ولا نرى له أيّ جدول أعمال، كذبة أخرى لحوار يسمّى «الوطني» ولم يدع له الوطن ولا المواطنون، بل هو حوار مشروط بأن تعترف بشرعية حكم السيسي.

أنّ الحوار ليس هو الهدف، ولكن الهدف يكمن في الشرط «الاعتراف بشرعية حكم السيسي»، ولكن لماذا يبحث السيسي عن شرعية؟ وهل هو في حاجة لها؟

لنجيب عن ذلك، وعن مغزى وتوقيت ذلك الحوار يجب أن نعود قليلاً إلى الوراء.

لقد بدأ ذلك المخطط منذ عقود سبقت ذلك الانقلاب، حيث كانت المرحلة الأولى التي بدأت بكامب ديفيد قد ركزت على إسقاط الدور الريادي لمصر فأهدر ماضي مصر وحاضرها، ثم جاء وقت إهدار المستقبل الذي بدأ بتقسيم الشعب، وبذلك سهل تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة وهي إهدار مستقبل الوطن بتبديد كلّ ثرواته وتسليم مستقبله ومقدراته بالكامل للعدو.

ونرى ذلك جلياً من خلال تبديد ثروات مصر، المتمثلة في إهدار مياه نهر النيل باتفاقية 2015 التي أسقطت حق مصر التاريخي في مياه النيل، وكذلك اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي أهدر مساحة كبيرة من المياه الإقليمية المصرية في البحر المتوسط كما سلم حقول الغاز المصري للعدو، وكذلك التفريط في جزيرتي تيران وصنافير. وتضاعفت مديونية مصر بديون غير مبرّرة بدّدت ثروتها الحالية والمستقبلية، وسرقت مستقبل أبنائها، بتبديد تلك الديون في تخزين سلاح وفي مشروعات لا عائد منها إلا تسهيل الاستيلاء على مصر والأمة بالكامل.

وبدأت مرحلة بيع ما بقي من الأصول بحجة الحاجة لسداد الديون التي تعدّت فوائدها السنوية نصف الدخل القومي، وبدأت عملية البيع بسعر منخفض أقلّ بكثير من القيمة السوقية للشركات والمصانع والبنوك بخدعة أنها خاسرة بينما هي تحقق أرباحاً كبيرة، وبهذا يتمّ الاستحواذ، أو ما يسمّونه الشراء، الذي سينتهي ببيع كلّ أصول مصر حتى قناة السويس.

الخطة قائمة على أساس سلب مصر كلّ أصولها، والتي بها تفقد الاستقلال السياسي والإرادة السياسية حتى بعد زوال ذلك النظام، لذا يجب إسقاطه بثورة شاملة وليس بتغيير من الداخل، وهذا لن يكون إلا بثبات الموقف وعدم الاعتراف بشرعية 2013 وأن يتمّ إسقاطه بثورة شاملة، وذلك لأنّ الثورة لها قانونها الذي يسمح لها بعدم الاعتراف بكلّ ما سبقها وإسقاط كلّ ما بدّده هذا النظام.

 ولوأد مشروع الثورة قدّموا لنا بهذا الحوار الوهمي والذي شرطه الأساسي هو الاعتراف بشرعية هذا النظام، فالاعتراف بشرعية هذا النظام ليس المقصود منها «السيسي» ولكن الاعتراف بالنظام الذي فرّط في الثروات والمقدّرات فيتحقق حلم المحرك الحقيقي لهذا المشروع، فـ بإسقاط فكرة الثورة يتمّ إهدار الورقة الوحيدة القادرة على استعادة حقوق مصر المسلوبة، وعودة الريادة والوعي المفقود، واللذين بهما فقط تتمكّن الأمة من استرداد مقدراتها وثرواتها المبدّدة.

وهذا ما يجب أن يكون عليه الحوار الحقيقي.

 

*مهندس ومدير مشروعات، مدونً وكاتب مستقل، وعضو نشط في منظمات المجتمع المدني في كيبيك ـ كندا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى