نقاط على الحروف

واشنطن وطهران وكشف حساب المعادلة النوويّة

 ناصر قنديل

 

ــ تتحدّث واشنطن طيلة فترة التفاوض بلغة متعالية تجاه طهران، فتقول إن لديها خططاً بديلة في حال فشل التفاوض، ثم تقول إن الوقت ينفد والعروض التفاوضيّة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد، وتفسّر التأخير في الحل بأن إيران تطلب شيئاً من خارج الاتفاق وتدعوها للعودة إلى الاتفاق فتلاقيها بعودة مماثلة، ولم يتأخر الأوروبيون مراراً عن استخدام لغة مشابهة للغة الأميركية، لكن الحصيلة كانت البقاء بدون اتفاق. فهل تعكس اللغة الأميركية ومجاراتها أوروبياً الميزان الحقيقي بين واشنطن وطهران، وتعبّر عن حقيقة مشاكل العودة إلى الاتفاق النوويّ؟

ــ النقطة الأولى التي تهملها اللغة الأميركيّة هي الفوارق بين مفاوضات 2015 ومفاوضات 2022، وهي كثيرة وكلها لصالح طهران؛ أولها أنه في المفاوضات عام 2015 كانت إيران تحت عقوبات صادرة عن مجلس الأمن الدولي ولم يعُد ممكناً تهديد إيران بها بفعل المتغيّرات الدولية، وثانيها أن الانسحاب الأميركي من اتفاق عام 2015 هو سبب الأزمة الراهنة باعتراف الإدارة الأميركيّة والأوروبيّين، وثالثها أن إيران تفاوض وهي عشية إكمال الدورة النووية اللازمة لامتلاك سلاح نوويّ هذه المرة، بينما كان سقفها عام 2015 التخصيب على مستوى 20% بكميات محدودة، ورابعها أن المتغيرات الدولية والإقليمية، جعلت أميركا أضعف وأكثر تشتتاً في جبهات المواجهة من روسيا الى الصين، بينما زادت إيران قوة وقدرة على التفرّغ.

ــ من زاوية صدقية الخطاب، تقول واشنطن إن لديها خطة بديلة للاتفاق وهي تعلم أن العقوبات والمزيد من العقوبات خطة جرى اختبارها وثبت فشلها، وأن الحرب ليست خياراً على الطاولة، وأن بديلها الوحيد هو التساكن مع إيران نووية تملك متى قرّرت أن تصبح عضواً في نادي السلاح النووي، بينما على العكس، تملك إيران خطة بديلة وهي المضي قدماً في برنامجها النووي ورفع مستوى القلق الأميركي والغربي من جهة، والمضي قدماً في تعاونها الاقتصاديّ مع روسيا والصين والأسواق الناشئة لمنتجاتها من موارد الطاقة من جهة أخرى، كهرباء ومشتقات نفطية وصناعات بتروكيماوية، وعندما تقول واشنطن إن إيران تفاوض على قضايا من خارج الاتفاق تعلم أنها من يفعل ذلك عندما تتحدث عن البرنامج الصاروخي الإيراني وعن دور إيران الإقليمي، بينما ما تطلبه إيران من صلب بنود الاتفاق سواء لجهة طلب ضمانات عدم تكرار الانسحاب الأحادي الذي عطل الاتفاق، أو لجهة تثبيت معادلة التزام بضمانات نووية من الجانب الإيراني مقابل التزام بالضمانات المالية من الجانب الغربي.

ــ من زاوية المعادلة الإقليمية، كانت مفاوضات 2015 بينما سورية في قلب التهديد الغربي، وداعش في ذروة الصعود في سورية والعراق، والسعودية عشية حرب اليمن والآمال المعقودة عليها، وإسرائيلعشية اختبار تغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة في لبنان من بوابة الحرب على سورية، والرهان على إضعافها وإضعاف قدرتها على الردع، وتركيا كانت تتجه نحو السيطرة على محافظة إدلب والتموضع مع الجماعات الإرهابية فيها لتغيير معادلة الحرب، أما اليوم ففي سورية تسليم بأن الحرب فقدت مبرر أي رهان عليها، وأن انتصار الدولة السورية صار من مسلمات المنطقة ولو كان الاعتراف العلني متأخراً بسبب الإرباك في تسديد ثمن الهزيمة. وتركيا رغم كل مناوراتها تتموضع تحت سقف التفاهم مع روسيا وإيران. والسعودية تخرج من حرب اليمن تدريجياً باعتراف الفشل، وإسرائيلتعترف باليد العليا للمقاومة في لبنان، كما تقول مفاوضات النفط والغاز، وتعجز عن فرض قواعد اشتباك جديدة في غزة، كما قالت الحرب الأخيرة، وإعادة إنتاج معادلة الردع بقوة حركة الجهاد وحدها.

ــ التذاكي لا يستطيع إخفاء حقيقة أن وضع إيران التفاوضي متفوق على الوضع الغربي مجتمعاً، وأن الإدارة الإيرانية الجديدة بقيادة الرئيس السيد إبراهيم رئيسي التي رفضت السير بمعادلة الحكومة السابقة بوقف التخصيب خلال التفاوض قد نجحت بجعل الوقت عاملاً يشتغل لصالحها، وأعادت إنتاج معادلةالاتفاق اليوم أفضل من الغد، ومعادلةبديل الاتفاق هو الاتفاق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى