أولى

معركة «سيف القدس» الثانية معركة المصير والحسم…

  د. جمال زهران*

المعركة الأخيرة، التي اندلعت بين الكيان الصهيوني، وبين حركة الجهاد (سرايا القدس)، والتي استمرت بشكل متبادل لمدة ثلاثة أيام (50 ساعة)، وتوقفت بهدنة بين الطرفين، بعد تدخلات خارجية (مصرية/ قطرية)، هي معركة فاصلة تستحق رغم محدودية الزمن، وصفها بأنها معركة «سيف القدس»، الثانية، بينما الأولى كانت في أيار/ مايو 2021 (العام الماضي) ، واستمرت (11) يوماً، تكبّد العدو الصهيوني خسائر كبيرة (في العتاد والبشر)، ولكن الأهمّ في المعركة الثانية، أنها أكدت أنّ المقاومة الفلسطينية قادرة بصواريخها أن تنطلق إلى كلّ المدن الفلسطينية المحتلة (إيلات ـ تل أبيب/ حيفا/ يافا/ وغيرها)، دون توقف. أيّ أنّ الأرض الفلسطينية المحتلة في الكيان الصهيوني، أصبحت تحت طائلة صواريخ المقاومة، وفشلت منظومة «القبضة الحديدية»، التي تستطيع أن تعوق وصول صواريخ المقاومة إلى المدن الصهيونية، ومن ثم فشلت هذه المنظومة في حماية الصهاينة من الفزع الذي نتج عن وصول هذه الصواريخ الفلسطينية، فلجأت الجماهير الصهيونية إلى المخابئ والخنادق، من شدة الفزع!

فمعركة «سيف القدس» الثانية، خلال الأسبوع الثاني من أغسطس/ آب الحالي، بدأت باختطاف اثنين من قيادات حركة الجهاد المقاومة، ورفضت إطلاق سراحهما رغم تدخل مصر، إلا أنّ الكيان الصهيوني، تجاهل ذلك وقام بالعدوان على غزة، واغتيال شخصيات قيادية في حركة الجهاد، وهدم منازل، واستمر في العدوان ثلاثة أيام، بينما أعلنت قيادات هذا الكيان أنّ المعركة على غزة مستمرة، وبلا سقف زمني!!

فما كان من الجناح العسكري لحركة الجهاد، وهو «سرايا القدس»، إلا أن أطلقت صواريخها تجاه المدن الصهيونية في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، تجاوزت الـ (500) صاروخ على كافة المدن، فأحدثت الفزع، فما كان من العدو الصهيوني إلا أن طلب من الطرف المصري، أن يتدخل لدى المقاومة الفلسطينية (الجهاد)، للدخول في اتفاق «هدنة»!

وتدخلت مصر لدى، قيادات حركة الجهاد، لوقف فوري، وأن الكيان الصهيوني وافق على كافة الشروط التي طرحتها حركة الجهاد، وفي مقدمتها الإفراج عن الأسيرين وهما: (خالد عواودة وبسام السعدي)، ووقف الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، وغير ذلك من شروط.

وهنا يقفز التساؤل الحقيقي، وهو لماذا إذن بدأ الكيان الصهيوني بالعدوان، ولماذا بادر بطلب وقف المعركة بعد ثلاثة أيام فقط؟! الأمر الذي لا شك فيه، أنّ الكيان الصهيوني، بادر إلى اختطاف قيادات من حركة الجهاد، والتركيز على الحركة فقط دون غيرها وخاصة حركة (حماس)، بهدف إحداث الفتنة بين حركات المقاومة بما يحول دون تجمعها من ناحية، ومن ناحية أخرى، توافر المعلومات لدى الكيان، بأن حركة الجهاد محدودة القوة إذا ما قورنت بحركة حماس التي أظهرت قدراتها في معركة سيف القدس الأولى في العام الماضي. في الوقت ذاته فإنّ العدوان على غزة واستهداف حركة الجهاد، بما يقضي عليها تماماً على حسب تصوّر الكيان، يحمل رسالة لحركة (حماس)، مستقبلاً بأنّ عليها تجنب المواجهة مع الكيان الصهيوني!! إلا أنّ هذه الحسابات أثبتت الأيام الثلاثة الفاصلة، بأنّها مبنية على تقديرات فاشلة بلا شك. فقد تجمّعت صفوف المقاومة، وتكوّنت قيادة مشتركة لكلّ الفصائل المقاومة، وغرفة عمليات مشتركة، على عكس ما تصوّره الكيان الصهيوني وقياداته.

فضلاً عن أنّ تصدي حركة الجهاد، بسرعة والردّ بسرعة وبضربات صاروخية تجاوزت الـ (500) صاروخ، وصلت إلى غالبية المدن الصهيونية خلال ثلاثة أيام فقط! فأصيب العدو الصهيوني بذهول غير مسبوق، حيث اتضحت قدرات حركة الجهاد وجناحها العسكري على وجه الخصوص، وبصورة منفردة ظاهرياً. فما كان من الطرف الصهيوني، إلا المبادرة بالاتصال بالطرف المصري للتدخل والوساطة، وأنه موافق على جميع طلبات حركة الجهاد، وفي مقدمتها الوعد بالإفراج عن الأسيرين!

إذن بدأ العدو الصهيوني بالعدوان، وهو الذي طلب إيقاف المعركة لتفادي العديد من الخسائر، واتضحت أنّ تقديرات قيادات العدوان، كانت خاطئة، وتسرّبت المخاوف والشعور بالفزع لدى أفراد الكيان الصهيوني. وما كان يحسب على أنه سيأتي بمكاسب للحكومة الحالية في الانتخابات المقبلة، أتى بخسائر ضخمة، فسارع رئيس الحكومة ووزير دفاعه بوقف المعركة، تفادياً لخسائر لا يمكن تداركها مستقبلاً!

إنّ معركة «سيف القدس» الثانية، هي الحاسمة لدى الكيان الصهيوني، وما كان صعباً بالأمس أصبح متاحاً، ويحمل مفتاح النصر على العدوان الصهيوني. ولذلك على ما يبدو أنّ مسمّى «سيف القدس»، سيحمل المصير النهائي للكيان الصهيوني بالإزالة الكاملة، وتحرير فلسطين واحدة من البحر إلى النهر، وإعادة تأسيس دولة فلسطين وعاصمتها القدس. ولا زلت أرى مشهد الهجوم الثلاثي في اللحظة المناسبة، من جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، و (حزب الله)، وقوات الجيش السوري، لتحرير الجولان، وتحرير مزارع شبعا ملك وسيادة الدولة اللبنانية، والتوحّد مع كتائب المقاومة الفلسطينية، لتحرير فلسطين وبيت القدس، يراه البعض بعيداً، وأراه قريباً بإذن الله.

 

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى