مقالات وآراء

أيّ حسابات تدفع أردوغان نحو دمشق؟

}  رنا العفيف

سلسلة من الدعوات التركية تتوجه نحو دمشق، ورسائل غير مشفرة لأكثر الملفات الإقليمية سخونة، وتصريحات للرئيس التركي تدفع نحو الحلّ السياسي، ناهيك عن إفساد المخططات في المنطقة، فأيّ حسابات تدفع أنقرة للانعطافة نحو دمشق، وماذا يقصد بالمخططات، وهل سنرى حوار مباشر بين تركيا وسورية؟

بالأمس كان يعتزم أردوغان إنشاء ما يسمّى المنطقة الأمنة على حدود سورية، إذ تحدث عن استكمال استعداداته للعمليات العسكرية، حاملاً شعار توطين أكثر من مليوني لاجئ سوري، ليتحوّل من الأمس القريب إلى اليوم بتغيير سياسته تجاه دمشق، تحمل سلسلة من التصريحات بشأن التقارب مع سورية، إذ يؤكد أردوغان على ضرورة اتخاذ خطوات متقدمة تجاه دمشق، ويتهم واشنطن بتغلغل الإرهاب فيها، على ما يبدو واضحاً أنّ هناك حسابات فرضت الانعطافة التركية على سورية، من خلال الرسائل الغير مشفرة لأكثر الملفات الإقليمية سخونة، حيث قال: علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية من أجل إفساد مخططات في المنطقة، مؤكدا بالوقت ذاته أن لا أطماع في بلاده في الأراضي السورية، وأنّ الحوار السياسي أو الدبلوماسي لا يمكن التخلي عنهما بين الدول، وقد تكون مثل هذه الحوارات في أيّ وقت، لا بل يجب أن تتمّ على حدّ تعبيره، رسائل مباشر اختار توجيهها جواً هذه المرة، ليعيد بوصلة الحوار مع دمشق، لمحاولة وصل ما انقطع في عشرية النار، بين التناقض والتمايز الكثير من السطور، إذ ذكرنا في أعلى المقال عن تصريحات لاذعة وأفعال مشينة له سابقاً، وها هو اليوم يدلي بتصريحات قد تكون أشبه بلعبة النار الذي ستحرق أجله المسمّى إذا تلعثم بسياسة الأرض المحروقة

من وجهة نظر الكثيرين، فإنّ أردوغان لا يؤتمن، فهو أولاً الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وثانياً يحمل نفس فصيلة الدم الاستعماري «الإسرائيلي»، وهذه التصريحات مجرد أقوال، فمن يؤكد على ضرورة وحدة الأراضي السورية، ويشدّد على ضرورة إفساد المخططات، كان عليه أن يقف خلال السنوات الـ 11 الماضية ويدين ويستنكر أفعال الولايات المتحدة ومن معها، أقلّ ما يمكن تجاه ما حصل في سورية، وهذا لم نره ولم نشهد موقفاً واحداً يعبّر عن هذه المبادئ.

ثانياً: كان من المفروض أن يسحب قواته من الأرض السورية لا أن يدعم الإرهاب لوجستياً ومادياً ومعنوياً قبل الإعلان عن هذه الخطوة، وكذا كي لا ننسى الرسائل المشفرة بينه وبين «إسرائيل» والاعتداء على سورية، حتى ولو كان هناك قرار تركي واضح بالتوصل للحلّ السياسي مع سورية، على أنقرة أن تبرز حسن نواياها، وإلا تكون كلّ هذه التصريحات بمثابة عودة العلاقات ولكن ضمن إطار تجنيد الملفات مع وقف التنفيذ، وسورية لا توافق على ذلك من مبدأ المنطق السياسي ودونه من الملفات العديدة التي تطرح نفسها على أجندات أخرى، إضافة لتراكم الأخطاء التي دامت خلال سنوات الحرب، وأبرز تلك القضايا التي يجب أن تعمل عليها تركيا هي قضية اللاجئين الذين باتوا عبئاً على أنقرة لا سيما في ظلّ مرحلة الانتخابات التي توصف بالحاسمة، وهذا الموضوع مرتبط بعودة اللاجئين الذين ترحب بهم سورية في كلّ حين، سواء الموجودين في تركيا أو في لبنان.

ثالثاً: انسحاب القوات التركية الموجودة في الأراضي السورية والتي تصرّ دمشق على انسحابها، لا سيما أنّ سورية تنشر قواتها في أكثر من منطقة بما يتوافق مع اتفاقية أضنة التي يجري الحديث عن إمكانية تعديلها والخروج بصيغة جديدة لها، وملف يقود مباشرة إلى معضلة قوات سورية الديمقراطية التي تتمسّك تركيا بإبعادها عن حدودها ثلاثين كيلو متراً في إطار ما تسمّيها المنطقة الآمنة، وتريد من دمشق المساعدة في إنهاء ما تعتبره خطراً كردياً.

وثالث الملفات الذي ينطلق من الجماعات المسلحة المرتبطة بأنقرة، ودمشق تريد وقف الدعم التركي لهذه الجماعات، وأبرز تلك الملفات تتمثل بالسعي التركي وعليه تثبيت شرعية الائتلاف السوري كممثل عن المعارضة السورية، وذلك تمهيداً لدخوله في حوارات مع دمشق

إنّ من يريد المصالحة عليه أن لا يضع ليده وصلة، فسورية دائماً ترحب بدول الجوار من مبدأ المواقف والعيش المشترك، وبالتالي كلّ هذه الحوارات يستوجب تحضيرها دون عقبات لإظهار وإثبات نوايا تركيا، وهذا مطلب حتمي لدمشق، خاصة أنّ الموقف التركي كان في السابق موجهاً من قبل الولايات المتحدة وحليفها «الإسرائيلي».

كما أنّ هذه المواقف والتغييرات التي خلفتها ربما الحرب الأطلسية ـ الروسية في أوكرانيا، والتي لها ارتدادات على الداخل التركي، وما نلاحظه هنا، ربما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تخلى عن سياسة الولايات المتحدة، وقد يكون هذا التخلي مؤقتاً نظراً للخلافات الحاصلة بين الطرفين التركي والأميركي، حيث قامت الولايات بمعاقبة تركيا اقتصادياً، ونتيجة لذلك قام بردّ فعل وربما هي خطوة إيجابية إذا اعتمد وتخلى عن سياسة الانصياع الغربي، لا سيما خسارته المالية إزاء تصنيع طائرات «أف 35» وعدم تسليم مستحقاتها فضلاً عن أضرار أخرى تسبّبت بها واشنطن، فالحقيقة وعلى أرض الواقع هناك خلافات قائمة يحسب لها أردوغان قبل فوات الأوان لذا لجأ إلى ترتيب الأوراق بعد أن تخلت ربما الولايات المتحدة عنه، وهذا كان متوقعاً عبر سياسة التضحية لواشنطن

أما في ما يتعلق بإفساد المخططات التي أشار إليها الرئيس التركي، ومن ضمنها تقسيم سورية وتفتيتها، وهذا نعلمه جميعاً بعدما فشلت المنظمات الإرهابية بذلك، وما لا نعلمه هو أنّ هذه المنظمات الإرهابية التي تدعمها منظمات إرهابية أخرى، لها انعكاسات وسترتدّ إلى الداخل التركي وهي قائمة وغير معلن عنها، فسارعت أنقرة بخطوة المصالحة نحو دمشق قبيل الانتخابات لتعالج أزماتها الداخلية والخارجية، متحسّبة أنها تعالج أزماتها السياسية بمصالحة سورية ودول أخرى، قبل أن تفقد التوازن الاستراتيجي، وقد نرى حواراً مباشراً في حال لبّت أنقرة كافة مطالب دمشق مع إظهار سياسة الأفعال لا الأقوال، في ظلّ ما تعيشه من قلق يهدّد أمنها القومي، من المخطط الأميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى