مقالات وآراء

استباحة أعراض مغربيات من مكتب التطبيع واستهداف المخزن لبناجح

هشام توفيق*

في اليوم الذي اقتحمت فيه العملية الصهيونية جنين الاثنين الماضي، والتي سمّاها الاحتلال منذ أيام بعملية (كسر الأمواج) خوفاً من طوفان مقبل، قد يحوّل “سيوف القدس” إلى “بنادق القدس”، ومن القدر تزامنت هذه العملية الصهيونية مع عملية مخزنية في المغرب لحصار مناهضي التطبيع والداعمين للقضية الفلسطينية والمنافحين عن حقوق الشعب المغربي…

القصة العجيبة بدأت مع الشرطة القضائية التي استدعت الأستاذ حسن بناجح الناشط المغربي الحقوقي والمناهض للتطبيع، والمعروف بقوته في التواصل الاجتماعي، ومن أبرز وجوه الفكر والميدان الحقوقي للدفاع عن الشعب المغربي وقول كلمة الحق…

الاستدعاء جاء من الرباط من ادّعاء مزيف ملفق بسبب تدوينة (في نظرهم) تدعو إلى العنف والكراهية، تخص تدوينة للأستاذ “حسن بناجح” عن حدث “شيرين أبو عاقلة” وفضح التطبيع والخيانة وزيارة صهيونية للمغرب لمجرمين قتلوا “شيرين”…

هذه خلاصة القصة والحدث، لنخلص إلى قراءات من وراء هذا الفعل المخزني الشنيع:

أولا: إذا كانت عملية جنين يوم الاثنين “لكسر الأمواج” وتصفية المقاومين تحسّباً لمعركة قادمة، فإنّ المطبع المغربي المخزني يسعى لإرضاء أطراف وتنزيل أجندة صهيونية أمنية لعملية لم يسمّها، لكنها فعلاً سياسة “لكسر أمواج” أحرار الشعب المغربي والقوى الحية والمؤسسات المناهضة للصهيونية، خطة لكسر طوفان الكلمات الحقة الصادقة التي تمّ حصارها في الفيسبوك، وبعد فشل انتقلوا إلى تقييد في أرض الواقع، باستهداف أرباب الكلمة المؤثرة في الشعب المغربي إيجاباً، ومنها كلمة الأستاذ حسن بناجح، المعروف بتصوّره الداعي إلى نبذ العنف والكراهية، والدعوة إلى تنزيل الحقوق، والحذر من نتائج إدخال الاحتلال وطاعون التطبيع إلى المغرب…

كانت البدايات “لكسر أمواج” أرباب الكلمات المربكة لمشروع التطبيع ربما مع الدكتور أحمد ويحمان وغيره من القوى الحية، لكن مع الأستاذ حسن بناجح، انكشف زيف التطبيع ومشروع تصفية القوى الحية وأرباب التأثير، وظهرت معالم البلادة في الصهيوني المحرض والجبان وغباء في الخطوة المخزنية..

ثانياً: النظر من سياق الأحداث وهو مسار زمني سبقته خطة “صفقة القرن” لتنزيل “اتفاق أبراهام” لتطبيع الشعوب العربية بالكيان الصهيوني والاعتراف به ودمجه في المنطقة، لكن هذه الخطوة فشلت خصوصاً مع الصدمة بظهور مقاومتين في المنطقة:

ـ مقاومة في فلسطين مع سيف القدس.

ـ ومقاومة في الشعوب التي خرجت إلى الشارع، وعبّرت عن رفضها لمشروع الاختراق والتطبيع خصوصاً في المغرب، الذي كشف لنا حضور الشعب المغربي بقوة في الشارع والجبهات الرسمية لمقاومة التطبيع..

هذا الفشل المتكرّر في خطوات التطبيع في المغرب والذي وصل إلى “هستيريات تطبيعية” مهزومة ضيقة وصلت إلى التطبيع من “الطرب الأندلسي وغناء العيطة”، هو فشل في التطبيع تسبّب في حرج النظام المغربي أمام القوى الصهيونية والأميركية لما قدّم مع “اتفاق ابن شابات” تقارير (يظنها مقدرة لكنها خاطئة) إلى الكيان الصهيوني عن الشعب المغربي وقبوله للتطبيع واستقبال الصهاينة بالورد في المطارات…

إذن إذا شعر النظام المغربي (وهو يشعر) أنه حقيقة في حرج بعد فشل التطبيع ووجود من أفشله، فإنه يتسابق ساعة إلى الهرولة إلى التطبيع بنفسه لتقديم قرابين زلفى وقربى إلى الكيان، ليبرهن على صدقه في التطبيع الكامل، وقد تكون عمليات سابقة من استهداف نشطاء وهيئات ووقفات مناهضة للتطبيع، وحجب حسابات، واستهداف الشخصيات المقوّضة لمشروع التطبيع، هي قرابين وعمليات لإرضاء الكيان الصهيوني، وخطوات لتجديد الولاء إلى الكيان الصهيوني وتعويض ما أفشلته القوى الحية المغربية من خطوات تطبيع..

إذن استهداف حسن بناجح من المخزن هو هدية استباقية إلى الصهاينة وخصوصاً في المغرب، لإرضاء هذه القوى التي كانت تتخوّف من كلمات وتدوينات (لبناجح) مؤثرة في الرأي المغربي والموجهة للشعب المغربي والفاضحة للتطبيع ومثالبه..

كأنّ النظام المغربي يرغب في البرهنة على صدق تقديم الأمن للقوى الصهيونية في المغرب، التي باتت تعيش شبح الخراب في الكيان الصهيوني، فضلاً في المغرب الذي ينظرون إليه كملجأ مستقبلي في حالة حرب قادمة في الكيان الصهيوني.

لكن يبدو أنهم شعروا كذلك بشبح ثان في المغرب وهي صدمة كبيرة إنْ تأكد الأمر…

هنيئاً لكم أيها المفسدون بالشبحين…

لكنها خيبة أمل القوى الصهيونية التي لن تسعد بخطوة مخزنية لاستهداف شخصية كـ “بناجح”، لأنّ حصار الرجل هو حصار شخص فقط ولم يحاصروا مشروعه، أما قوة الرجل فنابعة من القوى الحية والشعب المغربي الذي يسانده وتضامن معه.

ثالثاً: الغريب في الأمر أن هناك تزامن بين الأحداث، وهذه النقطة الثالثة مهمة بالنسبة لي، وتفكيكها مطلوب..

كيف ذلك؟

في الوقت الذي تمّ استدعاء حسن بناجح المناهض للتطبيع من الشرطة القضائية لمحاسبته على تدوينته المناهضة للتطبيع و”قتل شيرين” فإنّ هذا اليوم شهدنا فيه حدثين:

ـ الحدث الأول إصدار بيان من الاحتلال حول مقتل “شيرين” باحتمال القتل هو خطأ أمني شخصي لا يصل إلى المتابعة الجنائية…

ـ الحدث الثاني: هو نبأ حدوث فضيحة يومه الاثنين 5/9/2022 في مكتب الرباط الصهيوني، قد تهز مشروع التطبيع في المغرب والمنطقة وسمعة “إسرائيل”، وهي فضيحة التحرّش الجنسي لممثل الكيان الصهيوني بالمغرب ديفيد في مكتب الرباط، وهو الذي أفضى إلى خبر يوم الثلاثاء بإقالة الوزارة الخارجية الإسرائيلية لممثل الكيان الصهيوني بالمغرب..

إذن السؤال هنا، ما علاقة الحدثين (بيان إسرائيلي عن مقتل شيرين) (وحدث الفضيحة الجنسية)، بموضوع استدعاء “الأستاذ حسن بناجح” إزاء تدوينته عن “شيرين”؟

بمعنى آخر :

لماذا تمّ استدعاء حسن بناجح” إزاء تدوينة عن “شيرين” في اليوم الذي نشرت فيه الفضيحة الجنسية وتم نشر البيان الإسرائيلي عن مقتل “شيرين”؟ هل من رابط بين الأحداث؟

ولماذا تم استدعاء “الأستاذ بناجح” خصوصاً عن موضوع “شيرين” في يوم صدور بيان تورط إسرائيلي في مقتل شيرين؟

 

ثلاثة احتمالات

هناك ثلاثة احتمالات:

– أولاً: هناك احتمال تزامن الأحداث الثلاثة بدون رابط وعلاقة…

– ثانياً: هناك احتمال استدعاء حسن بناجح من أجل عملية إلهاء الشخص، وكذا القوى الحية المناهضة والجبهات بموضوع قانوني أمني.

ربما لأنّ القوى المخزنية في المغرب كانت تعلم سلفاً بوجود فضيحة التحرش من مكتب الرباط الصهيوني قبل خروجها إلى الإعلام، فكان لا بدّ من التشويش على الشخصية المؤثرة في المغرب (الأستاذ حسن بناجح والقوى الحية) بملف قانوني عن تدوينة شيرين، بدل لعب هذه القوى الحية والجبهات صحبة الأستاذ حسن بناجح قوة في استغلال موضوع التحرش الجنسي لممثل الكيان “ديفيد” لضرب التطبيع وفضح أهدافه، خصوصا لما لموضوع الفضيحة من أهمية لدى القوى الصهيونية في المغرب، التي لا ترغب من الشخصيات المؤثرة المغربية والمناهضة وضع أصبعها في الموضوع فضحا وكشفا واستثمارا.

طريقة الإلهاء هذه قديمة ومخزنية لتوجيه الرأي العام إلى معركة جانبية، بدل رصد الرأي العام فاجعة ضربت العمق الاستراتيجي للتطبيع، بل رصدنا “بلاطوات إسرائيلية” في قنوات صهيونية تناقش الموضوع التحرش بحدة، في حين المغاربة والقوى المناهضة، لم يستغلوا موضوع التحرش الجنسي لممثل الكيان لضرب التطبيع الذي قالوا إنه جاء من أجل الصحراء والتعايش وجلب الاستثمار…

 

– ثالثاً: الاحتمال الثالث والذي أميل إليه، هو توظيف النظام المغربي لاستراتيجية تحدثت عنها في مقالي (الصهيوني الكبير بايدن ومشروع الدمج أسبابه ودلالته ومآله…) 1، وهي استراتجية الإنعاش، بمعنى أن الاحتلال كلما عانى من هزائم أو فضائح تضرب روايته الصهيونية، إلا وتسابق المطبع العربي ليقدم قربانا لإنعاش الاحتلال بالتطبيع، لإبراز مدى الولاء والبيعة بعد خذلان الشعوب وهزائم، ومن التطبيع ما هو اجتهاد وتسابق من المطبع خصوصا إن كان مغربيا..

ولدينا هنا ضربتان ابتلي بهما الكيان الصهيوني في يوم واحد هو يوم الاثنين 5 سيمتبر، أولا حرجه بشدة لإخراجه بيانا يعترف فيه بقتل شيرين بخطأ أمني، وحرج ثان نابع من المغرب (خارج الكيان الصهيوني) مع فضيحة مكتب الرباط الصهيوني..

أمام هذه الفاجعات في يوم واحد، وكعادته يتسابق النظام المغربي لترميم جرح الكيان الصهيوني “بسياسة الدمج والتطبيع الكامل”، وتقديم شيء من المغرب قد يبرهن وقوف النظام المغربي مع الكيان الصهيوني في أزمة ملف “شيرين”، وربما استدعاء ومحاسبة (شخصية بارزة قوية في المغرب تمثل مشروعا وفكرا مناهضا) حول موضوع شيرين، قد يرسل رسالة إلى الاحتلال أن النظام المغربي مع الكيان الصهيوني في نصرته في ملف شيرين، وإن وصلت الضغوط ما وصلت من منظمات دولية قانونية بوصف القتل جريمة حرب متعمدة..

تضميد جراح الجريح الصهيوني من خلال التطبيع المغربي والتسابق إليه، ليس وليد لحظة بل هو سياق…

فانظر مثلا فترة “سيف القدس” ودك المقاومة للكيان الصهيوني بالصواريخ وتضرر الحكومة الإسرائيلية من ذلك، دفع المطبع المغربي في سابقة إلى تضميد الجراح والإسراع إلى الطبطبة على الابن الاستكباري ( إسرائيل) بتصريح بوريطة عنوانه (تطوير علاقات المغرب وإسرائيل يذهب إلى أقصى حد ممكن)2، ولنتذكر كذلك بعد معركة “وحدة الساحات” في غزة التي كانت مؤخرا، وبعد تضرر الكيان الصهيوني من صواريخ الجهاد الإسلامي والمقاومة عموما، أصدر النظام المغربي تصريحا يدعو الأطراف إلى وقف العنف والاقتتال “لمنع سقوط ضحايا في غزة”، مما دفع بصحفي إسرائيلي إلى الاحتفاء بهذا التصريح والفرح به لأنه لا يجرم إسرائيل..

إذن هي طبطبات تطبيعية منها :

1ـ المنظمة الرسمية المتفق عليها بين الطرفين

2ـ ومنها التسابقية من النظام المغربي في حالات الأزمات والمصائب الإسرائيلية لتضميد الجراح وكسب الولاء وتحقيق الدمج المطلوب…

قد يقول قائل: ألهذا الحدّ قد يستدعى مناهض للتطبيع: كـ “الأستاذ حسن بناجح” في موضوع “شيرين” لتقديم الحدث، كقربان زلفى إلى الكيان الصهيوني، ليؤكد النظام المغربي أنه دوماً في صف الكيان الصهيوني رغم استهدافه من ملفات قانونية أو سياسية…؟

أقول: قد يحدث ويقدم الحدث وهو محاسبة المناهضين كهدية للكيان، علماً أنّ موضوع الاستدعاء زمنه وموضوعه متشابه (عن شيرين) فهل التزامن الزمني والموضوعي تمّ عبثاً؟

 

ختاماً

في الأخير أتساءل لماذا كلما نظم المغرب اتفاقاً حول التطبيع زغردت له مواقع الإعلام المخزني، وبعد هذا الحدث الفاجع الجنسي توقفت الحناجر المطبعة عن رصد هذه الفضيحة، ولماذا كان الإعلام العبري أكثر اهتماماً بالموضوع بل ورصد في نقاشات مؤخراً أحداث فاسدة أخرى في فنادق مغربية تكتم عنها الإعلام المخزني، وعوض محاسبة الفاسدين يحاسب حسن بناجح لأنه ينجح دائماً ويحسن في فضح مثالب وفخاخ المطبعين والصهاينة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث وكاتب في التطبيع والشأن الصهيوني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى