نقاط على الحروف

دبلوماسيّة الجمعيّة العامة حول النوويّ … بدل دبلوماسيّة الجنازات والمونديال

 ناصر قنديل

شهدنا خلال عقود ماضية كيف كانت تتحوّل جنازات الملوك والرؤساء الى مناسبات لمفاوضات ونشاط دبلوماسيّ، حيث يلتقي بداعي المجاملة الواجبة قادة يصعب أن يرتبوا اجتماعاً علنياً بسبب السقوف المرتفعة لخطاب الخلافات بينهم، ومثلها كانت مناسبات الأولمبياد والمونديال التي يحضرها رؤساء وملوك بداعي المجاملة، تشكل أحياناً كثيرة ذريعة لترتيب لقاءات الخصوم المختلفين. وفي أحيان أخرى حلّت قمم متخصّصة مثل قمة العشرين ومؤتمر ميونيخ للأمن، ومؤتمر دافوس الاقتصادي إلى مناسبات مماثلة، لكن تصاعد الصراعات على الساحة الدوليّة أظهر خلال هذه السنة تعطل هذه السلاسل الدبلوماسية الرديفة وغير المباشرة، لمحاولة احتواء التصعيد في الملفات الخلافية، فبقيت الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة وحيدة لقياس فرص التفاوض والتسويات، من خلال رصد المشاركين الكبار المختلفين، واللقاءات الجانبية التي تجمع بعضهم، وما يرافقها في ساحة الصراع من تحوّلات تشير إلى حدوث انفراجات.

الواضح أن ملف الصراع الروسي الأميركي ذاهب الى التصعيد. وهذا معنى تزامن وصول وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى نيويورك مع إعلان موسكو عن تنظيم الاستفتاء حول ضمّ جمهوريات دونباس الى روسيا الاتحادية، وأن العلاقة بين الصين وأميركا حول تايوان تزداد تأزماً وتوتراً مع المواقف الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن حول فرضية تعرض تايوان لعملية عسكرية صينية والتزام واشنطن بالدفاع عنها، والردّ الصيني العالي السقف على كلام بايدن واعتباره بمثابة إعلان حرب، بحيث لم يبقَ من الملفات الدولية الساخنة ما يمكن أن ينفرد بكواليس نيويورك الا الملف النووي الايراني.

رغم الجو السلبي الذي رافق بداية انعقاد الدورة الـ 77 للجمعية العامة في نيويورك، الا أن مشاركة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي كانت لافتة، وهي نوع من المشاركات التي ترتبط عادة بمواعيد تم ترتيبها مسبقاً مع رؤساء دول ووزراء خارجية دول أخرى. وقد أوضح رئيسي أن ليس بينها لقاءات مباشرة مع الأميركيين، لكن لم يطل الانتظار حتى بدأت بوادر الدبلوماسية غير المباشرة بالظهور. فقد تزامن اللقاء الذي ضمّ الرئيس الإيراني مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ولقاءات الوفود الدبلوماسية الإيرانية، وعلى رأسها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، مع الوفود الأوروبية، وممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع إعلان صدر من طهران على لسان رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية يقول فيه إن إيران تلقت «رسائل» من الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتزامها إغلاق ملف التحقيقات بشأن ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة، مُورست فيها أنشطة نووية، حسب إعلان سابق للوكالة.

معلوم أن هذا الملف يشكل أحد أبرز العقبات الرئيسية التي اعترضت طريق التوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني، وأن المواقف الأميركية والأوروبية برفض طي التحقيقات التي تطال مزاعم إسرائيلية قديمة، حول أنشطة نووية مشكوك بغير سلميّتها لإيران، ووصل الأميركيون والأوروبيون الى إعلان جمود المفاوضات، والحديث عن انسداد إمكانية التوصل الى اتفاق، محملين إيران المسؤولية. والكلام الجديد للوكالة الدولية الذي تبلغته إيران، يؤكد أن موقف الوكالة كان سلبياً بقرار سياسي وصار ايجابياً بقرار سياسي، وأن الحاجة الأوروبية لموارد الطاقة الإيرانيّة وقد بدأ الشتاء القاسي يدق الأبواب، هو الذي فرض تراجعاً أميركياً أوروبياً أمام إيران، التي لم تؤثر في مواقفها التلميحات الى سقوط الاتفاق، والحديث عن بدائل جاهزة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى