أولى

لماذا يزور المغرب الكيان الصهيوني في هذه الظروف؟

} هشام توفيق*

بعد الزيارة المغربية العسكرية إلى الكيان الصهيوني أدان الشعب المغربي وقواه هذه الزيارة بقوة خصوصاً مع تزامنها مع احتجاجات قوية ضدّ فضيحة مكتب التطبيع وتحرّش جنسي لمغربيات، بل إنّ المغاربة في مواجهة للتطبيع منذ بداية اتفاق شابات واتفاقيات صفقة القرن، هذه الزيارة لا تعبّر إلا عن إرادة النظام المغربي وليست إرادة الشعب المغربي الذي يرفض دائماً اتفاقيات الذلّ والخنوع من خلال الميدان، ووقفات في أزيَد من خمسين مدينة تخرج فيها الحشود، إضافة إلى حركة جماهير مغربية كروية ترفع شعارات قوية ضدّ الاحتلال، ثم حركة جبهة مغربية تضمّ قوى نقابية سياسية فكرية وحزبية ترفض التطبيع بل وتقاومه، دون أن نغفل حركة المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي ضدّ التطبيع وممثل الكيان الصهيوني الذي انكشف زيفه، حين فتح مكتباً من أجل شعار التواصل والسلام والتعايش وجلب الاسثتمار والصحراء فتحوّل إلى مكتب لصناعة الفساد الجنسي..

ويمكن أن توحي إلينا هذه الزيارة المغربية إلى الكيان بطابع عسكري بدلالات وخلفيات:

الدلالة الأولى: حماية الأمن «الإسرائيلي» بالمغربي

الزيارة العسكرية المغربية إلى الكيان الصهيوني لها أهداف:

هدف لمصلحة النظام المغربي: هو جلب الكيان لا الاستثمار بل للاستعمار، فبعد فشل النظام المغربي لتقويض الشعب المغربي وإضعافه، يتمّ اليوم تعزيز قوة النظام المغربي بالكيان الصهيوني لضرب القوى الحية والنشطاء وإفساد الشعب المغربي

هدف لمصلحة الكيان من التطبيع: وهي المصلحة الأمنية وهي المصلحة الأساس في العلاقات ليقوم الكيان من الاستفادة من العقول المغربية العسكرية والاستخباراتية من أجل التعاون الخفي لمنع أيّ زلزال آتٍ في الضفة وغزة، ومنع أيّ سيف قدس ثانية.

 بطبيعة الحال تعاون ليس بتدخل عسكري مغربي مباشر، لكن بالتعاون والتنسيق المغربي ولو استخبارياً

والسؤال هنا: إذا كان الكيان يريد من التطبيع مواجهة عدو، ألا يفهم النظام المغربي أنّ العدو في نظر الاحتلال هو الشعب الفلسطيني؟ وإذا كان التعاون المغربي العسكري مع الكيان الصهيوني فهو إذن تعاون ليواجه الكيان الصهيوني عدوه، ففضلاً عن وجود سلطة فلسطينية تنسّق وتعتقل المقاومين وتتخابر، فهل السلطة المغربية ستقوم بنفس المهمة بشكل غير مباشر، لإنقاذ الكيان الصهيوني من المأزق الأمني الداخلي الذي وصلت إليه أمام قوة الشعب الفلسطيني؟

ثم إذا كان المغرب في عهد يعقوب المنصور في الدولة الموحدية المغربية أرسل أسطولاً وقوة استراتجية إلى المشرق وإلى صلاح الدين لتحرير فلسطين من الصليبية، فهل يريد النظام المغربي من حضوره إلى الكيان هو حضور تحرير فلسطين من «الإسرائيلي» أم تحرير «إسرائيل» من الفلسطيني بجيشه المغربي؟

الدلالة الثانية: تغيّرات الساحة

استدعاء الكيان الصهيوني للمغرب في قمة التطبيع بحضور أقوى المؤسسات المغربية وهي المؤسسة العسكرية في مؤتمر دولي، فهي دلالة اهتراء ثقة الكيان بدول غربية وعربية كانت تعززه، فاستدعى قوى لإنقاذ الكيان الصهيوني من ورطة وأزمة أمنية سببها (تغيّرات الساحة) في المشهد المقاومة الفلسطيني، أيّ يرغب الكيان في تنفيذ «خطة بايدن» وهي الدمج لصناعة (ناتو منظم عسكري لحماية الكيان) مما هو آتٍ خصوصاً داخل فلسطين، فضلاً عن التهديدات الخارجية بعد فشل قمم سابقة مثل قمة المنامة وقمة النقب وأبراهام، ثم قمة جدة

قمم متكررة كلها من أجل مواجهة قطاع صغير اسمه غزة وقوة في جنين والضفة، هذا الحضور المغربي للاستعانة به، يردّ على الادّعاء الذي يقول (باع الفلسطيني أرضه) وعلى الادّعاء الذي يقول إنّ «اسرائيل» دولة أقوى والشعب الفلسطيني منهزم، إذا كانت أقوى فلماذا تستدعي قوى خارحية لصناعة «ناتو عربي إسرائيلي» وأمني واستخباري؟

الدلالة الثالثة: أزمة الاستراتيجية الصهيونية

استدعاء النظام المغربي وغيره وخبرته وقوته في مؤتمر دولي، دلالة على أزمة الكيان الصهيوني الاستراتجية والعسكرية التي تنهزم أمام استراتجية فلسطينية والمقاومة، وهذا دليل واضح لغلبة المقاومة أمام القوة الصهيونية وهلع الكيان الصهيوني أمام ما هو آتٍ بسبب تقدّم البؤر والمراكز المقاومة في جنين ونابلس والخليل والضفة..

الدلالة الرابعة: التغطية على الفضيحة

من الدلالات الجانبية وليست الرئيسة، أنّ الكيان يريد القول إنّ الفضيحة الجنسية في مكتب التطبيع المغربي بالرباط (استباحة أعراض مغربيات من ممثل الكيان الصهيوني بالمغرب) لم تؤثر في العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وأنّ النظام المغربي والكيان ماضيان في أقوى من تنسيق سياسي وثقافي ورياضي وفني، علماً أنّ هذه الفضيحة هي ثقب ونفق في عقل الكيان مثل نفق الحرية.

 ثقب فضح الكيان الصهيوني جعل الكيان في المغرب خرقة بالية، وحوّل الكيان من دولة رفعت شعارات سلام وتعايش، إلى كيان برزت معالم أهدافه وهي الفساد في الأرض وقمع القوى المناهضة أمثال حسن بناجح الذي استُدعي إلى الشرطة القضائية لمحاسبته ضدّ تدوينة عن شيرين بدل متابعة الكيان عن الفضيحة الجنسية

الدلالة الخامسة: إنعاش الكيان قبل فوات

الزيارة المغربية إلى الكيان تريد تحقيق استراتجية (الإنعاش الصهيوني أيّ إنعاش النظام المغربي للمنظومة الإسرائيلية المتآكلة وانعاش النظام المغربي في نفس الوقت).

أولاً إنعاش الكيان الصهيوني الذي هو مهدّد خصوصاً من المقاومة ومعركة قريبة، وبالتالي احتاج إلى دمج كامل دون دمج نصفي، ثم النظام المغربي في حاجة إلى إنعاش، وهو النظام الذي يحتاج كذلك من التطبيع دعماً لاستمرار الحكم في المغرب أمام غضبات شعبية

*باحث وكاتب في التطبيع والشأن الصهيوني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى