الوطن

استراتيجية «الناظور»: تكبير الأحجام إيغالاً في الأوهام

} خضر رسلان

فكر التفوّق الطائفي شكّل عقيدة وركيزة لممارسة الحكم الذي وسم النظام اللبناني منذ نشأته حتى نهاية الحرب الأهلية مع إقرار وثيقة الطائف عام 1989، حيث سادت مفاهيم الكمّ والنوع التي أسّست للاختلال القيمي بين أفراد المجتمع اللبناني ما انعكس وبالاً بانتقاله من المفاهيم المعرفية الى سياسة التهميش والإهمال التي أصابت الكثيرين وخاصة في الأطراف، والسؤال هنا ما معنى أن يُقال إننا مشروع حريّة؟ هل يعني هذا أنّ الطرف الآخر مشروع ظلمة وطغيان؟ ولماذا هذا الفصل النوعي، بين أبناء الطوائف المختلفة؟ وكيف تمظهر مشروع الحريّة الذي تدّعون أنّ لبنان يشكّل عنواناً له؟ وما هي تجلياته؟ هل هو في الارتهان المُطلق والانقياد الدائم الذي مثّلته الدولة اللبنانية بالحدّ الأدنى منذ العام 1920 للاستعمار القديم وللإرادة الأميركية لاحقاً؟ أم تجلّى إشعاعاً في إصرار الطبقة الحاكمة وأرباب الدولة العميقة آنذاك في القبض على مفاصل الدولة سياسياً واقتصادياً فضلاً عن نظرية النوع التي أصابت حتى التوزيع الطائفي في المجلس النيابي؟ وهل كان الاصطفاف العلني الى جانب الغزاة الصهاينة في اجتياح 1982 مشروع ثقافة حياة وحريّة؟ وهل أنّ المشاركة في حصار بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا والاستقبال العلني وبحفاوة لـ أرييل شارون وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية تحت الرعاية «الإسرائيلية» عنواناً للحريّة والانفتاح أيضاً؟

إنّ لبنان في سنوات ما قبل الحرب رغم الرغد والأمن الاقتصادي الذي كان سائداً إلا أنه كان عنواناً للقمع والتسلّط والقهر الطبقي والطائفي الذي أولد وأنتج انفجاراً اجتماعياً وحرباً أهلية انتهت بإعلان اتفاق الطائف عام 1989، حيث تمّ رسم موازين جديدة في الإدارة والحكم لم تستسغها الى الآن شخصيات وقوى ديدنها التصنيف العنصري، والتي زادها فاشية الصعود الهائل لقوى وشرائح اجتماعية استطاعت الأخذ بأسباب العلم والمعرفة والاقتدار، وتوّجتها بانتصار ساحق على الآلة العسكرية «الإسرائيلية» وطرد المحتلّ من الأراضي اللبنانية.

ـ الموروث الطائفي من خطاب العائلة الى لبناننا والفيدرالية:

بالاستناد الى المفاهيم التي انطلقت منها الكتائب اللبنانية حين التأسيس عام 1936 تحت عنوان حركة كشفية مسيحية كان الهدف من إنشائها مواجهة مجموعة كشفية أخرى اسمها الكشاف المسلم في سلوك تأسيسي لسيادة المنطق الطائفي والعنصري والذي تمّ تتويجه برفع شعار حماية «الوجود المسيحي» في لبنان، إبان الحرب الأهلية وحيث إنّ الحزب الذي عماده العائلة، لم يكن من المستغرب أن يتسلل الموروث التاريخي المبني على العنصرية والطائفية الى أحد أفرادها، والذي انطلق بداية من خلال حلف لبناننا الى طرح نظرية الفيدرالية، مدّعياً أنها هي التي تحفظ لكلّ طائفة خصوصيتها الرومانسية الثقافية والاجتماعية وتكون الحكومة الفيدرالية المركزية ضمن عقد الحماية المتبادلة بين المجموعات المكونة للدولة، وهذا نتاج الفكر المبني على الكراهية والتفوّق الطائفي والذي شكّل عقيدة وركيزة لهذه الفئة التي لم تستسغ ولم تهضم أنّ الزمن قد تخطاها على جميع المستويات.

لم تقتصر إنجازات سامي الجميّل على اقتراحَي الفيدرالية والتقسيم بل تعدّى ذلك الى تقديمه أطروحة غير مسبوقة لاعتمادها في الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من هجمات الدواعش وهي نظرية «الناضور» التي أراد منها ان تكون العماد والملاذ التي سوف تصدّ وتسحق الدواعش في مشهد مضحك ومبكٍ في آن، لم تكن أعاجيب وتأثيرات «الناضور» والمنظار في فلسفة سامي الجميّل مقتصرة على حماية لبنان وأرضه وشعبه فلهذا «الناضور» إبداعات ووظائف أخرى لا تقلّ شأناً فمنه وبفضله يستطيع النظر الى الخلف والعودة في الذاكرة الى عقود خلت والوقوف على الأطلال بحيث يشعر أنّ الزمن لم يتغيّر كحال النعامة التي تضع رأسها في الأرض حتى لا ترى الواقع وما فيه، والحق يُقال فإنّ للمنظار في نظرية سامي الجميّل وظائف أخرى منها تكبير الأحجام والأوزان حتى لو أنه بات نائباً بـ 11000 صوتاً، وحتى ولو أنها نسبة مئوية لا تذكر من مجموع الشعب اللبناني، فهذا غير ذي أهمية طالما أنّ «الناضور» سيتكفل برفع وتيرة الانتفاخ الخاوي التي يتغذى على الأحلام والأوهام التي سيكتشف أنها فراغ وسراب لا تسمن ولا تغني من جوع

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى