نقاط على الحروف

عندما تصبح شركات الاستطلاع محترفة تزوير وعندما يصبح الرقم والرأي العام عند «التغييريين» وجهة نظر

 ناصر قنديل

الفضيحة التي يثيرها استطلاع الرأي الذي أجرته شركة (ITS)، لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار الاستحقاق الرئاسي، ولا في فرص المرشحين المفترضين للرئاسة، فالمرشح الأكثر شعبيّة الذي أصاب أصحاب الشركة بالذعر «النائب جبران باسيل»، ليخترعوا وسائل غير أخلاقية مهنياً لتغيير النتائج، يعرف ان حظوظه بالوصول الى الرئاسة ضئيلة، ليس بسبب ضعف الشعبية، وقد أعاد مع تياره وتحالفاته إعادة إنتاج كتلة نيابية تعادل حجم كتلته التي شنت عليها حربٌ عالمية وعربية داخلية لتهشيمها وتفتيتها وتقزيمها إلى بضعة نواب، كما يعرف أن توزع الكتل النيابية حول الاستحقاق الرئاسي ليس في صالحه بين الخصوم والحلفاء، ويعرف أن فرص تغيير هذا التوزع إن وجدت لا تتوقف على استطلاع رأي، بل على معطيات سياسية لا يقدم ولا يؤخر فيها الاستطلاع.

الفضيحة هي بأن الشركة كما خرج مديرها على شاشة ثورية حليفة لصاحب الشركة، النائب التغييري، هي شاشة أم تي في، يقول إن مرحلة ثانية من استطلاع الرأي لم تكن مقررة، تم اتخاذ القرار بإجرائها في ضوء النتائج، التي ذكرت اصحاب الشركة بان الانتخابات لا تتم من الشعب، وان المرحلة الثانية لم تشمل الذين تم استطلاع آرائهم ذاتهم في المرحلة الأولى، وأن اسئلة المرحلة الثانية مختلفة عن أسئلة المرحلة الأولى فتذهب لما اعتقد اصحاب الشركة انه الطريقة الفضلى لدفع الفائز الأول الى مراتب خلفية، عبر اضافة ما يسمى بالفلاتر، اي المواصفات، وهذا تزوير فاضح بعلم الإحصاء واستطلاعات الرأي، ولهذا ليس غريباً ان يتابع مدير الشركة ويستنتج بصورة معاكسة لما تقوله الأرقام، فيقول إن فوز باسيل بـ 23% يعني ان منافسه سينال 77%، بينما القراءة البسيطة للأرقام تقول إن المستطلعين توزعوا، بين 33% لصالح باسيل وفرنجية، و37% بين قائد الجيش جوزف عون والوزيرين السابقين زياد بارود ومروان شربل، أي ما يسمى بفئة الرئيس التوافقي أو الوسطي، و28% لصالح سمير جعجع ومعه سائر مرشحي 14 آذار والتغييريين من أمثال نعمت فرام، وعندما تصل المنافسة بين اسمين في دورة واحدة، لا يعرف احد كيف يتوزع الذين صوّتوا في الوسط، وما دامت الشركة مهتمة بالنتيجة في الجواب على هذا السؤال فلماذا لم تتجرأ على طرحه في المرحلة الثانية من استطلاعها، كأن تقول بين جبران باسيل وجوزف عون مَن تختار، وبين باسيل وبارود، وبين جعجع وباسيل، وبين جوزف عون وجعجع، أو زياد بارود وجعجع.

الفضيحة هي أيضاً في الأصول التي يعرفها القيمون على استطلاع الرأي ويعرفون ان كل من يعمل في هذا المجال يعرفها، ومنها أن العينة المعتمدة يجب أن تكون هي نفسها في كل الأسئلة، وهذا تم عكسه، ومنها أنه تجب مراعاة التوزع السكاني وفق شرائح عمرية واقتصادية وثقافية تتناسب مع التوزع الحقيقي لهذه النسب في المجتمع اللبناني، والأهم أن ما قامت به الشركة من اعتبار ان دمج المرحلتين من استطلاعها تمنحها حق تقرير منح كل منهما نسبة 50% للوصول الى نتيجة نهائية هو ترجمة لتقرير نتائج غب الطلب أرادتها للاستطلاع، فمن قال إن هذه هي النسب في عقل المستطلع رأيه. وكان الأسهل والأبسط طالما أن العينة المختارة للمرحلة الثانية بتعداد العينة الأولى ذاتها، ولكنها ليست نفسها، ان يعاد طرح السؤال عن المرشح الأكثر شعبية في المرحلة الثانية، ولا شيء يقول لنا ان ذلك لم يحدث، وربما تكون النتيجة تسببت لأصحاب الاستطلاع بذعر أكبر فتم إخفاؤها، وفي كل حال عندها يمكن دمج المرحلتين مناصفة لجهة الاسم الأكثر شعبية لتملك المرحلة الثانية مشروعية اعتمادها مهنياً في الأسئلة الجديدة حول المواصفات، وعندها يجب أن يكون بين الاسئلة سؤال يقرر بموجبه المستطلع رأيه ما هي النسبة التي يختارها لتوزيع تصويته بين الشخص والمواصفات، ويعرف أصحاب ومدراء الشركة ان بعضهم سيقول صفرا للمواصفات، لأنها مجرد فانتازيا لا تشبه الواقع اللبناني، وبعضهم سيقول 100%، وبعضهم سيقول 25%، ووفقاً لما جاءت به الانتخابات النيابية، فنسبة الترجيح اللبنانية لصالح اختيار الشخص على حساب المواصفات هي 90% للشخص الى 10 % للمواصفات، وعلى كل حال ربما يكون اصحاب الشركة قد فعلوا ذلك وطبقوه على النتيجة فأصابتهم بالذعر أيضاً.

الفضيحة هي أن استطلاع الرأي الذي يقول أشياء مهمة غابت عن الاهتمام بقرار من الشركة، التي اصيبت بالإحباط من النتيجة، التي يمثل أهم ما فيها، سقوط حملة التخلص من زعامة جبران باسيل المسيحية، والخط السياسي الذي يمثله تجاه سلاح المقاومة، فظهرت متقدمة بقوة على حساب كل الآخرين، وان الحصيلة المسيحية جاءت محسومة لصالح الثنائي باسيل وسليمان فرنجية، وأن المنطق الاحصائي التحليلي يفرض في مثل هذه الحالة عند فرز جبهتين متقابلتين، احتساب نصف التصويت للرئيس التوافقي لحسابهما، باعتباره جاء من جمهور لا يرى فرصة مؤاتية لوصول أي من «الصقور» إلى الرئاسة، ما يجعل مجموعهما يبلغ نسية تزيد عن الـ 50% وتقول إن الأغلبية المسيحية والأغلبية الوطنية معاً، في صف معاكس لتحالف 14 آذار والتغييريين، وأنه في المعركة التي يخوضها جعجع للزعم بأنه الزعيم المسيحي الأول جاءت الدراسة لتكذب مزاعمه، وتعيد إنتاج حقيقة أن باسيل يتقدم عليه مسيحياً ولبنانياً وبقوة، وكل هذه الحقائق ستقرأها السفارات التي أجري الاستطلاع لحسابها، وصارت بين أيديها نسخة كاملة منه.

نصيحة ربما تستر الفضيحة، بمرحلة ثالثة من الاستطلاع فيها سؤال واحد، اذا لم يكن هناك فرصة لرئيس توافقي، وحصر الاختيار بين جبران باسيل وسليمان فرنجية من جهة، وسمير جعجع ورفاقه التغييريين والـ 14 آذاريين، فمن تختار، فهل يجرؤون؟

صار استطلاع الرأي والرقم والرأي العام عند التغييريين، بمن في ذلك من يفترض أنهم ممن يدعون أنهم أهل رقم ورأي عام، مثل آلهة التمر عند أهل الجاهلية، يعبدونه واذا جاعوا يأكلونه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى