أولى

إحياء الاتفاق النووي بين مدّ وجزر: لماذا عاد التفاؤل من جديد؟

} حسن حردان

احتار العالم في تفسير أسباب المدّ والجذر التي شهدتها المفاوضات بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي والشروط التي تضمن وضعه موضع التنفيذ الفعلي بعيداً عن المناورات الغربية والتذاكي الأميركي الذي لم ينفع مع موقف إيران التي باتت تدرك جيدا الافخاخ والالغام التي تسعى واشنطن إلى ابقائها قائمة كي تستخدمها ساعة تشاء للانقلاب على الاتفاق او تبرير عدم الوفاء بالتزاماتها فيه.. على غرار حصل بعد توقيع الاتفاق سنة 2015.

انّ أيّ مدقق في الخلفيات التي تدفع واشنطن إلى الاستمرار في سياسة المناورة وعدم تذليل العقبات من أمام إعادة إحياء الاتفاق الذي أنجز التفاهم على بنوده الأساسية، وبالتالي الإصرار على عدم إعطاء الضمانات بتنفيذه، ووضع حدّ للعبة الابتزاز عبر إبقاء التحقيقات المسيّسة لوكالة الطاقة الدولية مشرعة سيفاً مسلطاً لابنزاز إيران في ايّ وقتانّ ايّ مدقق في الخلفيات سيجد أنها تكمن في ما يلي:

أولاً، انّ واشنطن لا تريد بالأصل التوقيع على اتفاق من هذا النوع، يبقي على المشروع النووي قائماً بحدوده الدنيا، فكيف إذا كان هذا المشروع بات مكتمل العناصر الذاتية، التي تمكن إيران من دخول كلّ المجالات السلمية للصناعات النووية، إلى جانب إنتاج الطاقة النوويةمما يجعل من إيران دولة نووية مستقلة كاملة المواصفات، ما عدا تصنيع القنبلة النووية، كما هي حال مثلاً اليابان إلخفالاتفاق سوف ينتهي في نهاية المطاف بإنهاء كلّ القيود المفروضة على تطور البرنامج النووي.. وهذا ليس في مصلحة سياسات الهيمنة الأميركية التي تقوم على منع الدول المستقلة غير التابعة للغرب من امتلاك التقنية والتنكنولوجيا النووية وغيرها من مجالات المعرفة والتطور العلمي والصناعي إلخ

ثانياً، انّ الولايات المتحدة، ترى في إيران، الدولة التحررية المستقلة، قوة إقليمية تهدّد النفوذ الأميركي الاستعماري ووجود الكيان «الإسرائيلي» المحتلّ لفلسطين الذي يشكل القاعدة الاستعمارية الغربية المتقدّمة في قلب المنطقة.. وانّ امتلاك إيران لبرنامج نووي وان كان للأغراض السلمية، سيؤدّي إلى زيادة قوة إيران واستطراداً قوة قوى المقاومة ضدّ الاحتلال «الإسرائيلي»، وهو ما يشكل جوهر الصراع بين إيران والدول الغربية.. فالغرب بقيادة أميركا ليس لديه مشكلة مع إيران في ان تمتلك برنامجاً نووياً، شرط أن تتخلى عن دعم قوى المقاومة

ثالثاً، انّ واشنطن لم تقبل بالتوقيع على الاتفاق في عام 2015 إلا لأنها وجدت انّ خياراتها لتفكيك البرنامج النووي، أو تدميره، او إخضاع إيران غير ممكنة التحقق لا عسكرياً، ولا عبر سياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية.. لأنّ إيران:

1 ـ تملك قوة عسكرية قادرة على إلحاق الضرر الكبير بالقواعد والمصالح الأميركية في المنطقة وبالكيان «الإسرائيلي».

2 ـ وبرنامجها النووي موزع على أماكن عديدة ومحصّن تحت الارض يصعب تدميره.

3 ـ ونجحت في احتواء العقوبات ومحاولات تقويض استقرارها الداخلي، باتباع سياسة تطوير الاقتصاد الإيراني الإنتاجي الزراعي والصناعي، إلى جانب تطوير البرنامج النووي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات..

لهذه الأسباب، وجدت إدارة الرئيس الأميركي السابقة، برئاسة باراك أوباما، أنّ توقيع الاتفاق أفضل الخيارات السيئة، لأنه الاتفاق يتيح للغرب إبقاء البرنامج النووي تحت الرقابة وتحت قيود تمنع إيران من تطويره وامتلاك سلاح نووي كما تدّعي واشنطن

اليوم تواجه إدارة الرئيس جو بايدن نفس المعضلة، وهي تقول ليس أمامها من خيار سوى الدبلوماسية، ايّ إحياء الاتفاق النووي، وذلك بعد:

ـ فشل كلّ محاولاتها للضغط على إيران لجعلها تقبل بالتوقيع على اتفاق لا ألغام وافخاخ أميركية فيه من ناحية،

ـ وفشل محاولة دفع إيران إلى الفوضى الشاملة وتفجير ثورة ملوّنة فيها لقلب نظام الحكم، وإعادة إخضاع إيران للهيمنة الأميركية الغربية من ناحية ثانية،

ـ وبعد التيقن من فشل هذه الورقة الأخيرة، والتي سبقها توجيه إيران ضربة قاصمة لسياسة العقوبات الأميركية من خلال حصولها على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وهي المنظمة التي تضمّ الدول الناشئة اقتصادياً والأعلى نمواً في العالم، وتشكل بمجموع أعضائها أكثر من نصف سكان العالم، كما تشكل أكبر تهديد للهيمنة الاقتصادية الأميركية.

انطلاقاً مما تقدّم يمكن تفسير أسباب عودة الحديث عن تفاؤل بإحياء الاتفاق النووي، بعد شهر من المدّ والجزر أعقب توصل المفاوضات إلى صيغة اتفاق، تنقصه موافقة واشنطن على إعطاء إيران ضمانات بتنفيذه، ووقف الابتزاز الذي تمارسه وكالة الطاقة الدولية بإغلاق تحقيقات تستند إلى تقارير «إسرائيلية» مفبركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى