مقالات وآراء

الطائفية والتوازنات تعطلان مسارات الاستحقاقات

} عمر عبد القادر غندور*

 في زمن الاستحقاقات المصيرية المعطلة في لبنان، تتواصل المسارات السياسية المفخخة بسبب التوازنات الطائفية، وهو أمر متجدّد، في بلدنا التعيس، فلا تشريعات إصلاحية، والاستحقاق الدستوري في حالة انعدام وزن، ولا احترام للدستور، ولا للمؤسسات الرسمية، وتواصل الكباش بين رئيسي الجمهورية والحكومة حول الأسماء والحقائب للحكومة الموعودة، والمصارف الناهبة لأموال المودعين آخذ على خاطرها، وكمائن السياسيين لا تستريح، حتى باتت الهجرة والموت غرقاً أهون من الحياة في بلاد الأرز، بالإذن من أغنية وديع الصافي «لبنان يا قطعة سما»…

أما كذبة التعايش فيمكن تسميتها بـ «وهم التعايش» في بلد تعطلت فيه أسباب الحياة بسبب اختلال التوازنات الطائفية، والبرلمان يجهد في تنظيم الحصص وهندستها بين الطوائف، وايّ خلل فهو سيعطل حتماً مسيرة الدولة!

 وحتى في زمن النكبات التي تصيب الجميع يجري التعاطي معها في سردية طائفية مواكبة كانفجار المرفأ على سبيل المثال، كتوزيع أسماء الضحايا لكلّ طائفة، والتحقق من طائفية المناطق المتضرّرة وغير ذلك من مظاهر طائفية إعلامية ولا حرج!

وفي مثل هذه الحالة «الحضارية» تتنافس الطوائف في إظهار حقوقها المهضومة والدعوة الى إنصافها ولو على حساب القانون!

والكذبة العريضة عندما يتبجّح اللبنانيون ويتفاخرون بتنوّعهم الحضاري، ويتنازعون ويشتبكون ويتصايحون بالغيرة على الدين والطائفة والهوية المناطقية!

 ولو كانوا صادقين، على المستوى الوطني، لوجدوا انّ أديانهم تدعو الى أرقى المفاهيم الإنسانية التي تحفظ التنوّع وترى فيه مدخلاً الى التعاضد والتفاهم للحفاظ على بلدهم الجميل، خلافا لما يريده «متعهّدو» هذه الطوائف من السياسيين المتاجرين بطوائفهم لخدمة مصالحهم وأبنائهم والمتاجرة باسم الطائفة وهي أبعد ما تكون عن هذا البازار!

ولذلك نرى انّ التطييف هو أفضل وسيلة للركوب على ظهور الناس والمتاجرة بهم.

 ويبقى الأكثر استهجاناً ما تتضمّنه المادة 95 في الدستور اللبناني التي تنص على تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة. لكن أضيفت الى الدستور مادة تتعلق بتوزيع وظائف الفئة الأولى مناصفة بين المسلمين والمسيحيين من دون تخصيص ايّ وظيفة لايّ فئة، الا انّ المشكلة ليست في النص الدستوري بل في عمل السياسيين وسلوكهم في إسقاط الطابع الطائفي على معاركهم السياسية لتبرير مصالحهم التي يغلفونها بيافطة «الغيرة على الدين» بينما الدستور يمنع تخصيص أيّ وظيفة لأيّ طائفة وهو ما لم يطبّق!

 ولأنّ العبرة تبقى في الممارسة، فإنني أحيّي رجل القانون ميشال شيحا الذي ترأس لجنة وضع أول دستور للجمهورية اللبنانية عام 1926، وضمت اللجنة نخبة من رجال الفكر والسياسة، وقد تنبّأ شيحا منذ 96 عاماً بما سيكون عليه لبنان في ظلّ دستوره الجديد الذي ما فرع من وضع الدستور وقرأه على مسامع اللجنة حتى استطرد قائلاً: هذا دستور لبنان المكتوب، أما دستوره الحقيقي غير المكتوب فهو أنّ لبنان لا يُحكم إلا بالتسويات وأنصاف الحلول.

*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى