أولى

الولايات المتحدة: من سياسة الأخلاق إلى أخلاق السياسة!

}  د. عدنان منصور*

ليس هناك أقبح من السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة حيال دول العالم وشعوبه، وتطورات أحداثه. هذه السياسات لم تكن لتعبّر مرة إلا عن العنجهية البشعة والاستبداد، والخبث، والانحياز، وازدواجية المعايير، التي آثر الكاوبوي الأميركي ان يسير عليها، بعد ان تخلى عن سياسة الأخلاق لتبدأ معه أخلاق السياسة.

 في مجلس الأمن الدولي وقفت المندوبة الأميركية بكلّ صلف تقول: انّ روسيا تحاول عبر استفتاءاتها، إضفاء الشرعية على ضمّ أراضي دولة ذات سيادة. وانّ الولايات المتحدة لن تعترف بأيّ أراض تضمّها موسكو. وانّ الاستفتاء لا يعبّر عن ارادة الأهالي، وسنطرح قراراً يدين الاستفتاءات الزائفة، ويدعو الى عدم الاعتراف بأيّ تغيير في وضع أوكرانيا!

 عجيب أمر وسلوك الولايات المتحدة الحريصة على عدم الاعتراف بأيّ تغيير في وضع أوكرانيا! أين كانت واشنطن عندما قامتإسرائيلبضمّ الجولان العربي السوري المحتلّ بموجب قانون اتخذه الكنيست؟! ما الذي فعلته واشنطن حينها، عندما ضمّ المحتلّالإسرائيليالقدس الشرقية الى الكيان، واعتبرها العاصمة الأبدية لـاسرائيل؟! بموجب ايّ قانون دولي قامت دولة الاحتلالالإسرائيليبمصادرة أراضي الفلسطينيين، وزرع المستوطنين عليها؟! لتقل واشنطن للعالم، بموجب ايّ قانون دولي، وأيّ شرعية اعترفت بالقدس كعاصمة للكيان المحتل، ونقلت سفارتها اليها خلافاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة!

بموجب أيّ قانون دولي اعترفت الولايات المتحدة بأحقية دولة الاحتلالالإسرائيليةفي فرض سيادتها وقوانينها على الجولان السوري المحتلّ! لتقل لنا الولايات المتحدة التي ترفضالاستفتاءات الزائفةوتدينها، بموجب أيّ استفتاء قانوني حقيقي تستمرّإسرائيلفي سياساتها التوسعية، وإجراءاتها العدوانية، والعنصرية وهي تحتلّ أراضي عربية في فلسطين، وسورية ولبنان؟!

 بموجب أيّاستفتاءقامت الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان والعراق، عامي 2002 و 2003، وهي التي تحتلّ حالياً بالقوة مناطق في العراق وسورية، فيما تقوم بسرقة ونهب النفط السوري؟!

 أين كانت غيرة اليانكي الأميركي، ومشاعره الفياضةحيال مواطني أوكرانيا الناطقين بالروسية، عندما قامت الفصائل اليمينية النازية المتطرفة فيها، بقتل عشرات الآلاف في الدونباس ودمّرت مدناً وقرى على مدى ثماني سنوات!

 تاريخ أميركي طويل، يعود لأكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن، حافل ومشبع بالتسلط، والتحريض، والسيطرة، والهيمنة، والحروب، والاحتلال، والاستغلال، والاستبداد، وتأجيج الفتن، والفوضى، والوقوف وراء الانقلابات، والاغتيالات، والاضطرابات، وتحريك النعرات القومية والعرقية والطائفية، وإشعال الثورات بغية الإطاحة بالأنظمة الوطنية المعارضة لسياسات واشنطن.

 بعد سجلها الأسود الحالك، في علاقاتها السياسية الدولية، تريد الولايات المتحدة اليوم ان تعطي دروساً في مجلس الأمن الدولي وخارجه، لتبدي عنغيرتهاونخوتها، وحرصها الكبير على أوكرانيا وعاطفتها الجياشة تجاه شعبها، وهي التي كانت المحرّض، لدفع أوكرانيا ورئيسها زيلينسكي للجوء الى سياسات متهوّرة حمقاء، أدّت الى ما أدّت اليه من كوارث مدمّرة، وتداعيات مباشرة على أوروبا والعالم. انه اليانكي الأميركي، مشعل الحروب والفوضى، لا يرى على الساحة سوى نفسه، ولا يحرص إلا على مصالحه، بعنجهية ما بعدها عنجهية، وصلف، وانحطاط سياسي.

 إنها الولايات المتحدة التي ما انفكت يوماً في علاقاتها السياسية الدولية، مع دول العالم وشعوبه، عن التأكيد على سلوكها الذي لن ولن يتغيّر، وهو ممارسة أخلاق السياسة بعد أن فقدت سياسة الأخلاق، حيث لا تزال بصمات وآثار أخلاق سياساتها ظاهرة للعيان في قارات العالم الخمس

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى