أخيرة

نافذة ضوء

التنوّع حقيقة طبيعيّة يجب احترامها

} يوسف المسمار*

ان غاية المنضوين تحت لواء الحزب هي كما عبّر عنها مؤسسه في جريدة «الزوبعة»، العدد 74، آذار 1944، هي: «نحن في الحزب السوري القومي لنخدم غاية الشعب بأسره، غاية المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي وغـيـر المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي من الذين لم يتمكنوا من إدراك حقيقة نفسية المجتمع.

الحزب من حيث هو مجموع أفراد تتنوّع مزاياهم ومواهبهم لا يمكن تحديد تفكير كلّ فرد من أعضائه بطريقة تفكير زعيمه في جميع المسائل والقضايا الجزئية أو التفصيلية، أي أنّه لا يمكن جعل تفكير كلّ فرد من أفراده نسخة طبق الأصل عن تفكير زعيمه. الحزب يجمع عناصر متنوّعة ولا يمكن القضاء على هذا التنوّع ولا يجـوز تشجيع قـتـلـه».

ماذا نستوعب ونفهم من هذا الكلام الصريح الواضح؟ فإذا كان الزعيم نفسه يقول بكل وضوح أنه لا يمكن جعل تفكير كل عضو من أعضاء الحزب نسخة طبق الأصل عن تفكير الزعيم، فكيف يحق لعضو من أعضاء الحزب وحتى لأية مؤسسة من مؤسساته أو أي سلطة من سلطاته أن تحتكر الفهم المطلق أو أن تـُكـره جميع الأعضاء ليكونوا نسخاً طبق الأصل عما توصل هذا العضو أو توصلت اليه هذه السلطة من فهم ومن قناعة؟

ألا يعني أن التنوّع هو حقيقة طبيعية، وأن للأفراد مزاياهم ومواهبهم ولا يمكن أن نهمل هذه المزايا، بل علينا ومن واجبنا أن نشجـِّع هذا التنوع ونطلق هذه المواهب التي تعود بالخير الوافر على الأفراد والأمة، كما تعود بالفائدة على أعضاء الحزب وغير أعضائه من أبناء أمتنا الذين تبقى مهمتنا الأساسية والكبرى الوصول الى عقولهم وقلوبهم والانتصار بهم لا الانتصارعليهم؟

 واذا كان هذا الاحترام للتنوّع في أفراد الأمة على هذه الدرجة الراقية التي قال بها سعاده، فكيف ينبغي أن تكون الحال بالنسبة لعلاقتنا برفقائنا الذين آمنوا

«بأن كل ما فيهم هو من الأمة وكل ما فيهم هو للأمة. الدماء التي تجري في عروقهم عينها ليست ملكهم بل هي وديعة الأمة فيهم متى طلبتها وجدتها»؟

وبالنسبة لأبناء أمتنا المواطنين، ألم نكن نحن قبل انضوائنا تحت لواء الحزب مواطنين مثلهم وكانت حالنا كحالهم، وهذا لم يمنعنا من الاقتناع بمبادئ حزبنا وغايته والانخراط في صفوفه لتحقيق قضية تساوي وجودنا؟

المعلم سعاده لم يرد أن يكون المفكر الوحيد

لقد كان سعاده رائداً وصادقاً وبعيد النظر ونافذ البصيرة حين أعطى الدرس البليغ في جلسة 14 آب 1948 قائلاً:

«إن الذين حولنا يقولون إنه ليس في الحزب من شخص مفكر سوى الزعيم، وإنه في حال غياب الزعيم تنشل حركة الحزب. إن هذه الحالة لا تعطي الحزب القوة والثقة الجدير بهما. إن الزعيم لا يريد أن يرى نفسه المفكر الوحيد، وأن يقال إن الحزب لا يساوي شيئاً بدونه».

 ان الحق والخير والجمال قيم أصيلة في طبيعة أمتنا وليست مستوردة، ومؤسس الحزب وصاحب الدعوة الى القومية الاجتماعية هو ابن طبيعة هذه الأمة، وحزبنا انبثق من هذه الطبيعة وليس مستورداً، والحق والخير والجمال قيمٌ كامنة في كل فرد من بنات وأبناء أمتنا، ويمكن أن تبرز خصائص هذه الطبيعة في غير المنضوين تحت لواء الحزب القوميّ الاجتماعيّ أكثر بكثير ممن انضووا تحت لواء الحزب القومي الاجتماعي. وهذه القيَم لم تخبُ يوماً من الأيام في مجتمع بلاد الشام والرافدين السوري منذ سحيق العصور، ولسوف تستمرمتغلغلة في نفوس أبناء أمتنا وفاعلة الى أبد العصور، ولا يجوز ولا يحق لنا مطلقاً أن نرتاب بذلك.

 إن أمتنا التي أعطت العبقريات الكبرى عبر التاريخ هي أمة أصيلة ولود قادرة أن تجدّد نفسها بمواهب ونوابغ وعبقريات لا تعرف ولا تعترف ولا تقبل إلا بتدفق مواهبَ تنافس مواهبَ، وبنوابغ يسابقون نوابغَ، وبعبقريات تتخطّى عبقريات.

هذا هو الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي:

يجمع عناصر متنوّعة ولا يمكن القضاء على هذا التنوّع ولا يجـوز تشجيع قتله».

ففي التنوع تبرز المواهب ويتنافس النوابغ ويرتقي العباقرة وتنطلق الأمة معلمة وهادية للأمم تجديداً وتحديثاً وتوليداً وإبداعاً.

 

*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى