الوطن

سحقنا الحاكم والفاسدون…

منجد شريف

ارتفاع في الدولار، وانخفاض في الدولار، ورتل من الصرافين الجوالين يملأون الطرقات منثورين كحبات الأرز، كي لا تفوتهم ورقة نقدية بسيطة من الدولار إلا وانكبّوا عليها بالكثير من الليرات اللبنانية، كأنّ ذلك الصراف المتجوّل يقول لك أعطني ورقة لأعطيك بدلاً عنها أوراقاً عديدة، هكذا صارت قيمة العملة الوطنية منثورة هنا وهناك لتسحب ما أمكن سحبه من العملة الخضراء بعدما صارت العملة الوطنية لا تساوي قيمة الحبر المطبوع بها.
إنها فاجعة اقتصادية قَلَّ نظيرها، وانهيار كبير لا سابقة له في دولتنا العلية، والأنكى من كلّ ذلك أنه منذ الأزمة وبعدما تأكد للجميع حقيقة الإنهيار، وبعدما تحوّلت ودائعهم بالدولار إلى أرقام دفترية، عمدت المصارف ومن خلفها تعاميم الحاكم المركزي، بالتمنّع عن تسليم الودائع بالليرة لأصحابها بحجة حماية الاستقرار النقدي، بينما الحقيقة هي ليمنعوهم من مزاحمتهم في شراء الدولار من السوق السوداء، فصارت ودائعهم بخسة جراء صعود الدولار الصاروخي، فمن ذا الذي يعوّض على أولئك ما كان يمكن أن يحدّ من خسارتهم فيما لو أفرجت لهم المصارف عن ودائعهم في حينها، وهي بالليرة اللبنانية ولا شيء يمنع من تسليمها؟!
لم يكن منعها حماية للنقد الوطني أبداً، بقدر ما كانت لمنع المنافسين عن مافيا الدولارات المرتبطة بحبل سري مع المصارف والمركزي، من أجل عدم سحب الدولار من أمامهم، وهكذا أضحى المودع بالليرة أكبر المتضرّرين فلا تعاميم تصيبه ولا أيّ تدابير أخرى بعدما صارت قيمة العملة الوطنية في الحضيض ولا تسمن ولا تغني من جوع.
عرف سلامة طمع اللبنانيين فأغراهم جميعاً بالفوائد، واستدرجهم جميعاً مقيمين ومغتربين، وحتى المتسوّلين في ادّخار أموالهم، وشعاره الكبير أكذوبته الشهيرة التي ما انفك يكررها دائماً “الليرة بخير”.
أيّ ليرة تلك التي كانت بخير فأضحت بعد ٢٤ ساعة من بدعة ١٧ تشرين الأول في أسفل السافلين، وكيف يجدر بدولة تحترم نفسها أن لا تقيل من هو مؤتمن على استقرارها النقدي؟!
أيّ دولة تلك التي يتمتع بها حاكم المركزي بكلّ تلك الحصانات التي تعفيه من دفع الثمن لأكبر عملية نصب واحتيال في التاريخ المعاصر، وأن يبقى مصمّماً على بهلوانياته الاقتصادية التي يتفنن بها لشفط ما تيسّر من دولارات المنازل، بتعاميم احتيالية تمرَّس عليها من قبل في بدع أسماها هندسات مالية، بينما هي عمليات نصب واحتيال تكبّدها البسطاء من الشعب اللبناني التي استدرجتها الفوائد علها تعيش بشيء من الكرامة، فإذ بها تصحو على يوم أسود وجدت فيه كلّ شيء في الحضيض.
يقول الإمام علي: عجبت لهذا الفقير كيف يطوي ليله جائعاً ولا يخرج في الصباح شاهراً سيفه للناس، فكيف يجدر بهذا الشعب أن يسلّم قياده مجدّداً لجلاده ويتركه يسرح ويمرح بعربداته المالية، فأتى على كلّ شيء، حتى رواتب الموظفين رصد لها كميناً اسمه الصيرفة، فيعطيهم الدولار بيد ليعود ويأخذه باليد الأخرى واهماً إياهم بأنه فعل خير، بينما هي هرطقة مالية لا أكثر، فمن ذا الذي يعوّض على الموظف العام الذي يتقاضى بالليرة اللبنانية زوال ٩٥٪؜ من القدرة الشرائية لها؟!
سحقنا الحاكم المركزي، بالتكافل والتضامن مع الفساد المتفشي من أكبر إلى أصغر دائرة، ذلك الفساد المتكئ على أعمدة من فولاذ فلا يجسر أحد على طيّه أو كسره، وما أفصح القحباء عندما تحاضر بالعفة، وما أفصح الفاسدين عندما يدّعون الفضيلة، لقد ملأتم قلوبنا غيظاً، وأمعنتم في قتلنا وتشريدنا،
أيها الفاسدون، لن ترحمكم الدنيا قبل الآخرة، فمع كلّ إشراقة شمس لعامل أو موظف أو لأي كائن كنتم سبباً في أن يكون كلّ شقائه الشهري لا يعادل قيمة مواصلاته، سيدعو عليكم باللعنة وسوف تنال منكم يد القدر، فمع كلّ ربطة عنق تعقدونها من الماركات العالمية التي تساوي مبلغاً في الدولار يعيل عائلة بسيطة لأشهر، ستكون شاهداً عليكم على مدى فسادكم وموت ضمائركم، فترفكم المؤقت سيكون موكبكم الى التعاسة التي الحقتموها بشعبٍ طيب، شعب مسكين، سنَّح لكم رقبته كما تسنح الشاة رقبتها للجزار إيماناً منها بقدرها المحتوم، ستلعنكم الأرض يا مفسدين قبل أن تلعنكم السماء، ومهما كانت الأسباب المفتعلة لهذه الأزمة، لما كانت بهذه الضراوة لولا فسادكم الممنهج الذي أتى على كلّ شيء وأكل الأخضر واليابس.

أيها الفاسدون الذين تعرفون أنفسكم وأنتم تقرأون هذه السطور انتظروا قانون الطبيعة، قبل قانون السماء، فالشر سيرتدّ حتماً على أبنائه كما يرتدّ الخير، أما أنت أيها المواطن المسكين فتحلى بالصبر على البلوى، فبلادنا عصية على ايّ من أنواع التغيير، انها بلاد غريبة فلا ثورة بيضاء ولا حمراء تستطيع ان تغيّر نظاماً فاسداً مستحكماً بالعقول قبل تحكمه بالمراكز، فلتكن ثورتك كلمات دعاء بالسوء على من جنوا عليك لتواجه هذا القدر المضني، علها تمطر عليهم وبالاً وبؤساً، ويبقى الأمل أن تنقذنا عدالة السماء بعدما أصبحت عدالة الأرض مكبّلة بأغلال الطائفية وحساباتها البغيضة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى