أولى

الثورة التي تعلّمنا منها الكثير

‭}‬ معن بشور
ما من عربي أو مسلم أو حرّ في هذا العالم عايش سنوات انطلاق ثورة الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 حتى الاستقلال عام 1962، إلا وتشدّه إليها ذكريات جميلة، ومعانٍ عدة، لكن سأسعى اليوم في هذه العجالة أن استعرض أهمّ الدروس التي علمتنا إياها هذه الثورة.
أول الدروس أنّ ثورات الشعوب لا تنجح إلا إذا نجحت أولاً في توحيد قواها وتياراتها ومكوّنات شعبها المتعدّدة، وهذا ما فعله ثوار الجزائر حين جمعتهم على تنوّع مشاربهم جبهة التحرير الوطني الجزائري.
ثاني هذه الدروس أنّ الاستعمار لا يرحل، لا سيّما إذا كان استعماراً استيطانياً، كما كان الأمر في الجزائر وكما هو اليوم في فلسطين، إلا بالمقاومة بكلّ أشكالها لا سيّما المسلحة منها.
ثالث هذه الدروس انّ تحرّر الشعوب والأمم لا يتمّ بين يوم وآخر، بل ريما يحتاج الى سنوات وربما عقود قبل أن يعطي النضال ثمراته والمقاومة نتائجها، فعمر ثورة الجزائر ليست السنوات الثماني الفاصلة بين 1954 و1962 فقط، بل هي ثورة عمرها من عمر الاستعمار الفرنسي نفسه الذي احتلّ الجزائر عام 1830، أيّ عمرها يناهز 132 عاماً شهدت الجزائر خلالها ثورات وانتفاضات ومجازر وحشية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف.
رابع الدروس انّ ما من حركة تحرّر يمكن أن تحقق أهدافها إذا لم تأخذ بعدها القوميّ الجيو ـ سياسي، والديني العقائدي، والعالمي الأممي لأنّ الاستعمار ليس ظاهرة محصورة بدولة واحدة بل هو أيضاً نظام عالمي كامل تتقاسم فيه دول الاستعمار خيرات قارات الدنيا كلها.
خامس هذه الدروس هو أن ثورة الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني في الجزائر نجحت لأنّ مفجّريها أدركوا اللحظة التاريخية المناسبة لانطلاقها، حيث تلاقى الظرف الذاتي وهو استعداد الجزائريين جميعاً للثورة مع الظرف الموضوعي وهو بدء انهيار الاستعمار القديم متمثلاً بالدولة الفرنسية التي خسرت في ديان بيان فو في فيتنام، ثم هزمت في خريف 1956 في العدوان الثلاثي الذي شاركت فيه ضدّ مصر جمال عبد الناصر…
سادس هذه الدروس انّ هذه الثورة بأدبياتها وأناشيدها وخطب قادتها، وزوايا مساجدها، قد جمعت بين الانتماء الأصيل لأمة عربية ممتدّة من المحيط الى الخليج، وبين عقيدة دينية تحضّ على مقاومة الظلم والانتصار للحق وهي الإسلام، واهتمام بقضايا الطبقات الشعبية من فلاحين وعمال وكادحين الذين كانوا مادة الثورة ومددها الحقيقي في الجبال كما في المدن.
سابع هذه الدروس انّ هذه الثورة لم تغرق نفسها في الصراعات البينية داخل النظام العربي والمحيط الإقليمي والدولي، بل كانت حريصة على إقامة العلاقات بين كافة الدول العربية والإسلامية والصديقة فاشتركت في دعمها حكومات متعارضة في أمور كثيرة، ونجحت في تجاوز العديد من الصراعات الدائرة بين الأنظمة العربية المحتلة.
بالتأكيد هناك دروس أخرى عديدة لكننا في حركة تحررنا العربية الإسلامية، وفي مقاومتنا للمشروع الصهيو ـ استعماري، مدعوّون لاستلهام هذه الدروس السبعة لكي نحقق الانتصار على الأعداء، ونستحقّ الانتماء لأمة عريقة لم يبخل يوماً شبابها وشيوخها، رجالها ونساؤها، بالعطاء السخي لتحريرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى