مقالات وآراء

الطائف في ذكراه الـ 33: التمسّك بحبره والتنصّل من تطبيقه

‭}‬ خضر رسلان
وضع اتفاق الطائف او ما عرف بوثيقة الوفاق الوطني (1989) نهاية للحرب في لبنان التي اندلعت العام 1975. وتضمَّن أموراً عديدة أبرزها إقرار «هوية» لبنان التي كان هناك اختلاف حولها إبان الحرب، وإعادة توزيع السلطة (في النظام السياسي المثير للجدل) إضافة الى إقرار العديد من العناوين الإصلاحية في المباني الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، والهدف منها معالجة مسبّباب الأزمات التي أدّت الى الحرب الأهلية. وقد شملت هذه الإصلاحات قطاعات عديدة منها: قانون الانتخابات النيابية، اللامركزية الإدارية، القضاء والمحاكم، إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن التربية والتعليم (إلزامية التعليم، دعم وإصلاح الجامعة اللبنانية، كتاب موحد للتاريخ وغيرها…)
في الذكرى الـ 33 لولادة وثيقة الوفاق الوطني وفي إطلالة سريعة على مسار هذه الاتفاقية وفي إطار كثرة الحديث عنها في مختلف المنصات الإعلامية (في توقيت متزامن مع الإنجاز الوطني الذي حققه لبنان في ملف ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي) من السهل الاستنتاج انّ هذه الاتفاقية التي يُكتب لها أنها ساهمت في إنهاء الحرب الأهليّة وسال حبرها في صياغة بنود إصلاحية وتحديد سياسات وأطر لم يطبّق منها إلا القليل، بل لقد تمّ تعديل بعضها وخرق بعضها الآخر فضلاً عن إهمال معظم بنودها من دون أن يُثار نتيجة لذلك ايّ ضجة أو اتهام بالمسّ او النكران لهذه الوثيقة. وقد حصل ذلك في العديد من المبادئ العامة التي أقرّت في الطائف ومنها:
1 ـ في البند الثاني من المبادئ العامة تحت عنوان الإصلاحات السياسية وتحديداً في الفقرة أ وتحت الرقم 4 التي نصت على ان تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، وبالتالي كلّ القوانين الانتخابية التي جرت خلاف ذلك تعدّ خرقاً لوثيقة الطائف، وهذا الأمر بالطبع برسم من يرفض ايّ تعديل او تطوير لهذه الاتفاقية ويعتبر ذلك من المحرمات.
2 ـ إلغاء الطائفية السياسية (حبر على ورق)
رغم انّ إلغاء الطائفية السياسية هو هدف وطني حثت الوثيقة على العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، من خلال مجلس نواب منتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الذي عليه اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف من خلال شكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، وتضمّ رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية لدراسة الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، إلا انه رغم مرور السنوات الثلاث والثلاثين بقي هذا البند مع مقدّماته حبراً على ورق، كما هو حال الاتفاق، على إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والتي ليس فقط لم تتمّ مراعاتها بل بات ملف تعيينات الوظائف عنصراً مساعداً في تعكير صفو الحياة السياسية والأخطر منها إثارة الحساسيات الطائفية.
3 ـ الكيان «الإسرائيلي» واتفاق الطائف ضمن المبادئ العامة للوثيقة وردت عبارة الاتفاق على قيام الدولة القوية القادرة ومهمة قواه المسلحة الدفاع عن الوطن، مع التأكيد على تحرير لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي» وإزالته حسب النص إزالة شاملة واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود.
انّ وثيقة الطائف وبناء على الوارد أعلاه والتي أشارت في النص الى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة الاحتلال «الإسرائيلي» هي التي شرعت وكانت مدخلاً لثلاثية معمودية الدم؛ الشعب والجيش والمقاومة، التي أنجزت الكثير من الأهداف المؤدّية بالنتيجة مع الاستمرار في الجهد وبناء القوة الى إزالة الاحتلال نهائياً ووقف اعتداءاته وخروقاته سواء منها الجوية او البرية، وهذا الأمر في حال إنجازه يكون تطبيقاً أميناً لوثيقة الطائف.
4 ـ الطائف والعلاقات اللبنانية السورية
ضمن المبادئ التي أقرّت في وثيقة الطائف التأكيد على العلاقات الأخوية الصادقة والمميّزة بين لبنان وسورية المستمدة من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وهذا ما ورد بالنص في الوثيقة التي أكدت على وجوب عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية في أيّ حال من الأحوال؛ وعليه فإنّ وثيقة الطائف اكدت بأنّ لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأيّ قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية.
من خلال الوارد أعلاه، وفي الذكرى الثالثة والثلاثين لاتفاقية الطائف وعلى هامش احتفالية الأونيسكو والتي حملت عنوان التمسك بهذه الوثيقة، او بالأحرى بالحبر الذي كتب فيها، لأنّ الشعوب العربية اعتادت منذ نكبة فلسطين على الاستماع الى قرارات أممية ومقررات لقمم عربية دون تنفيذ، فالحبر في عالمنا العربي معتاد ان يبقى على الورق دون ايّ اكتراث كحال اتفاق الطائف الذي كفل ان لا يكون لبنان ممراً ولا مقراً للمسّ بأمن سورية في وقت كان ممراً أرضياً للاعتداء عليها عبر الحدود، هذا الى جانب الممرّ الجويّ الذي اعتمدته «إسرائيل» كمنصة اعتاد عليها اللبنانيون للاعتداء على السيادة اللبنانية أولاً بخرق أجوائها ومن ثم جعله منطلقاً للإغارة منه على سورية في خرق فاضح لاتفاق الطائف الذي كفل عدم الإخلال بأمنها وإقامة أفضل العلاقات معها.
. وبعد 33 سنة لا نزال نسمع ضرورة تطبيق ما ورد في الطائف وتطبيق بنوده وهو مطلب يجمع عليه معظم اللبنانيين وتبقى العبرة في التنفيذ، إلا أنّ الذي يبدو في ظلّ الصراعات الموجودة في المنطقة والذي من تجلياتها ضبابية التعاطي في العديد من الملفات الحساسة كالنازحين وطريقة مواجهة الاعتداءات «الإسرائيلية» وغيرها وهذا مما يزيد في ترسيخ الحبر على الورق كحال مطلب توحيد المناهج التعليمية واعتماد كتاب موحد للتاريخ اللبناني الذي يبدو انّ الشروع في كتابته سيكون انْ شاءت الاقدار له ان ينفذ يوماً ما العنوان الأول في كتاب إلغاء الطائفية السياسية والفصل الأبرز في بداية تفتيت النظام السياسي اللبناني المترهّل…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى