نافذة ضوء
الخلاص بالأحرار لا بالعبيد
} يوسف المسمار*
وسيبقى الناس في بلادنا متثائبين مقهورين، يتساءلون ويسألون ويحلمون بنافذة ضوء للخلاص من واقعهم المرير المذل، إلى أن يأتي اليوم الذي تتكرّم فيه عليهم أمم قوية فتذيبهم أو تحرقهم أو تجرجرهم إلى المزابل أو تدفنهم او تحولهم الى غبار من الجراثيم الميتة تدرس في المختبرات لأخذ الدروس والعبر كي لا يصيبها الذي أصابنا من شلل قوى الوعي والفهم والتشبث بمفاهيم الضلال والزوغان والأوهام والهيام في عالم التخاذل والخمول والاتكال. فغالبية مجموعنا نموذج للضائعين الذين لا يهتدون، ومثال للمخلوقات الهائمة التي تدخل في ملكية من يخدعها ويخدّرها ويسيطر عليها.
ومن كان بهذه الحال، فإنه لا يعرف معنى الحق ولا معنى الباطل. ولا يميّز بين المعتدي والمعتدى عليه. ولا يفرّق بين الأصدقاء والأعداء.وهو فوق ذلك يجهل أنه يجهل، ولا يدرك أنه لا يدرك. ويستوي في مفهومه أن يكون وأن لا يكون. فيرى في يقظة أمته خطراً، وفي غفلتها عن حقوقها ومصالحها أمناً وسلاماً. ويعتدّ ويتفاخر بقوى الأمم الأخرى وجبروتها وتقدمها وليس بقوة أمته وتقدمها. ولا يعي ولا يعترف أن العظماء هم أبناء الأمم العظيمة، وأن الأحرار لا يكونون فعلاً أحراراً إلا عندما يعملون من أجل أن تصبح أمته حرة عزيزة فيصيرون هم بحريتها وعزتها أحراراً أعزاء كما هي حرة عزيزة بهم.
إن أصدقاءنا واضحون وأعداءنا واضحون، ووحدهم عميان البصيرة لا يدركون. ومصالح أعدائنا واضحة ومناوراتهم وخططهم ونياتهم نحونا واضحة، ولا تنطلي الا على الذين لا يشعرون ولا يتبصرون ولا يفقهون ولا يعقلون.
تخوم بلادنا تتقلص، وآفاق حضارتنا تغيب. أرض وطننا تتشلع. وإنسان أمتنا يتبعثر. وكل هذا يحصل بفعل تخاذلنا نحن لا تخاذل غيرنا، وخمولنا لا خمول سوانا، وتعطل سلامة وعينا لا بسبب تعطل وعي الآخرين.
وتتسع يوماً بعد يوم، وحدثاً بعد حدث الرقعة التي أصبحنا فيها مداس الغزاة والمعتدين المتوحشين، وتتقلص وتُخنق أنفاس الكرامة فينا لتتجمهر وتتجمع وتنتفض وتثور في قلة قليلة من بناتنا وأبنائنا الميامين المؤمنين المقاومين الثائرين، وبقية باقية من الذين يرفضون الانصياع لحكم وسيطرة المستبدّين الظالمين ولا يرضون إلا بما يليق بنفوس الأحرار الأعزاء القوميين والوطنيين.
فيا بقايا الأحرار الأعزاء من أبنائنا لا تخافوا من الذين انطفأت فيهم روح الإنسان الإنسانية، فليس بإمكانهم أن يفعلوا أكثر من النيل من الأجساد البالية التي نهايتها الانحلال. وعبثاً يحاولون قهر النفوس العظيمة العزيزة الباقية عزيزة ومناراً للأعزاء. فجل ما يستطيعه الظالمون هو إماتة أجسامنا التي هي بداية تجدد الحياة الكريمة على أرض وطننا الغالية.
الموت لا يخيف الأحرار بل يخيف العبيد، وما جاز أو يحق للأحرار أن يعيشوا عبيداً. والأحرار كانوا ولا يزالون وسوف يستمرّون أقوى وأخلد وأعظم من كل ما تفتقت عنه همجية وغرائز البشر المنحطة من أدوات الدمار والخراب لأنهم يعرفون كيف يقفون وقفات العز التي كانت وتبقى أسمى من ان ترتقي الى مستواها نفوس الجبناء، وضمائر الظالمين، وعقول العدوانيين الهمجيين المخرّبين.
إن انتظار الخلاص على أيدي الساسة المارقين الحاكمين بات خطيراً ومضرّاً. والاعتماد على الجماهير لم يعُد وارداً ولا فيه فائدة ولا سليماً ما لم يتولَّ أحرار الأمة إيقاظ جماهيرها وقيادتها الى النصر.
والاتكال على الجيوش الجرارة القادمة من خارج حدودنا نهايته وخيمة ومرعبة وقاتلة. واستنهاض أرواح الأموات أو مناشدة الملائكة أو استدرار عطف وشفقة الأعداء لإغاثتنا مما نحن فيه سراب يتبعه سراب لا يطفئ عطشاً ولا يطعم جائعاً ولا يحفظ كرامة ولا يحيي ميتاً ولا يصنع سلاماً غير سلام استسلام العبيد في ظلال أمن سلام القبور.
إن بوناً شاسعاً كبيراً يا أحرار أمتنا بين إرادة إنسان نهضتنا الذي يريد أنسنة العالم وعياً وحضارة ومدنية وعماراً واستمرار عمار وبين إرادة أولئك الذين لا يقيمون للإنسان وزناً وقيمة غير إشباع نهمهم وجشعهم في السيطرة على الشعوب الضعيفة واستعبادها واستغلالها وإشاعة إجرام الرعب وتطوير أساليب ووسائل الخراب وإيقاظ الغرائز الهمجية الفاسدة المفسدة ليزداد الإنسان ضلالاً وتخلفاً، ويزداد العالم اهتراء ودماراً واستمرار دمار.
إنهم لا يفهمون إلا لغة واحدة هي لغة شرائع القرون الزائلة والشعوب البائدة بأزياء التكنولوجية المتطورة.
أنتم رجاء الشعوب المقهورة، وعلى أيديكم وحدكم وأيدي جميع أحرار الأمم الشرفاء تكون بداية خلاص البشر من الويلات والمآسي.
لا تتكلوا على الجبناء والخونة، ولا تأمنوا لمن يخدعكم واعتاد على خداعكم. لا تطمئنوا لمن لا يريد بكم وبغيركم خيراً، ولا تثقوا إلا بنفوسكم العظيمة التي وحدها تستطيع تغيير الأحداث، وبناء العالم الجديد الصالح الأوعى والأعدل والأرقى.
*باحث وشاعر قومي