نقاط على الحروف

الاحتياط 10 مليار$… ماذا لو لم يتخذ دياب قرار عدم الدفع؟

 ناصر قنديل

 

خلال سنتين ونصف دأبت التلفزيونات التي كانت قبل ثلاث سنوات ناطقة بلسان «ثورة 17 تشرين» على شنّ حملات منهجية تستهدف قرار حكومة الرئيس حسان دياب بالتوقف عن سداد سندات اليوروبوند، وتقديم شروحات لعشرات الخبراء الذين يقدّمون نصاً موحداً يشبه الزي الموحد للضباط والجنود في جيش واحد، وانضمّ إليهم سياسيون كان آخرهم كلام الوزير السابق مروان حمادة، ومضمون النص الموحّد أن هذا التوقف عن السداد تسبب بخسارة لبنان فرص السيطرة على الأزمة، لأن الامتناع عن السداد أفقد الدولة مصداقيتها، وتوقف الخارج عن الاستعداد للتعامل معها، ما تسبب بالانهيار المالي. وقبل نقاش هذه النظرية، يجدر التوقف أمام واقعة إعلان مصرف لبنان بواسطة وزير المال أمام جلسة اللجان المشتركة في مجلس النواب أمس أن احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية يبلغ عشرة مليارات دولار (4.3 مليار عام 2020 و3.8 عام 2021 و3.7 عام 2022)، أي أن قيمة الموجودات أقل من قيمة السندات التي كانت تستحق الدفع لو لم توقف حكومة دياب الدفع، فهل من سأل من النواب وزير المال الذي كان يمثل حاكم مصرف لبنان في اجتماعات لجنة تقصي الحقائق النيابية التي قادت الانقلاب على حكومة دياب، بصفته يومها مديراً للعمليات في مصرف لبنان، كم كانت الاحتياطات ستبلغ لو لم يتمّ وقف سندات اليوروبوند، ليجيب حكماً أنها ستكون تحت الصفر، فيسألونه ماذا كنتم ستفعلون، هل سوف تعلنون الإفلاس الذي اتهمت حكومة دياب بإعلانه، فيجيب أحد الحضور، لا لن نعلن الإفلاس لأن لدى الدولة احتياط الذهب وأملاك وأصول يمكن التصرف بها.

هذه هي القضية، كان المطلوب دفع السندات بسرعة، لتسريع الإفلاس، وهذه الرغبة بالتسريع تفسر قرار مصرف لبنان بيع الدولار عشوائياً بسعر منخفض للتجار، وتسميته بالدعم، بحجة مساعدة الفقراء، واستنزاف مليارات من الدولارات بلا مبرر وصولاً للتوقف عن الدفع، لكن دون أن يتهمه أحد، إلا عندما قالت حكومة الرئيس دياب ما دمت تفعل ذلك فلا يمكنك التوقف بلا توفير بدائل، فصارت تتهم بأنها مسؤولة عن الدعم المزعوم الذي لم يدعم أحداً إلا كبار التجار وشكل الغطاء لتهريب الأموال الى الخارج بداعي الاستيراد، الذي كانت وجهته غالباً أفريقيا والبلاد العربية، وليس لبنان، لنسأل بالمناسبة عرضاً أين اصبحت البطاقة المالية، ولا يجوز أن لا ينتبه أحد أنها كانت كلها خطة، والخطة هي إنفاق الدولارات الموجودة لدى مصرف لبنان لوضع الذهب على الطاولة كأمر واقع لا مفر منه، ومعه أصول الدولة وأملاكها، والقول بأن المطلوب حل شامل لمشكلة الديون والمصارف عبر وضع أصول الدولة وأملاكها والذهب في سلة متكاملة تحت سلطة حاكم مصرف لبنان، ليتم عبرها جدولة الديون الخارجية والداخلية، فيما يجري تخفيض قيمة الديون عبر التلاعب بتحديد سعر الصرف المعتمد في احتسابها، واستثمار نتائج انخفاض سعر الديون الخارجية، لتصبح كمجموع قرابة الـ 20 مليار دولار، تتم مقايضتها بما قيمته أكثر من مئة مليار دولار، وتكون صفقة القرن الفعلية للمصارف والحاكم والفريق المشارك.

الذين يتحدّثون عن تسبب قرار عدم دفع السندات بالانهيار بوصفه قرار إعلان إفلاس، يكذبون ببساطة، لأن التسبب بقطيعة مع الخارج يعني خسارة فرصة قيام بنوك خارجية بدور مراسل لحساب المصارف اللبنانية ومصرف لبنان. وهذا لم يحدث، أو إقامة دعاوى قضائية دولية ضد لبنان تنتهي بإعلان إفلاسه ووضع اليد على الذهب، وهذا لم يحدث أيضاً. ومن يدقق يعلم أن الحملة وان كانت تستهدف جزئياً التوقف عن الدفع، الذي كان قراراً أجبرت حكومة الرئيس حسان دياب على اتخاذه بعد تنصل المصارف من التزامها بشراء كمية من السندات تكفي لجعل المصارف اللبنانية مالكة غالبية أسهم مالكي هذه السندات لبدء مفاوضات إعادة الجدولة مع الدولة، الا ان اصل الحملة هو ما وصلت إليه الخطة المالية للحكومة من خلاصات تتيح الخروج من الأزمة مع دولار 4000 ليرة، ووافق عليها صندوق النقد الدولي، لكنها تبدأ بوضع يدها على الفجوة المالية في حسابات مصرف لبنان التي تبلغ 69 مليار دولار وسُمّيت بالخسائر، وأنكرها حاكم مصرف لبنان، وأعلن الحرب بسببها على الحكومة، ونجح بتشكيل جبهة نيابية سياسية انتهت بإسقاطها، ومن لا يتذكر لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها لجنة المال النيابية وضمت ممثلين لأغلب الكتل النيابية، والتي كان المرشح الرئاسي ميشال معوض أحد نجومها، والنائب إبراهيم كنعان رئيسها والنائب السابق نقولا نحاس فيلسوفها ومعهم الوزير السابق ياسين جابر والنائب ادي ابي اللمع ويتقدم الجميع نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي. وأصدرت اللجنة تقريراً رفضه ولا يزال صندوق النقد الدولي، متمسكاً بمعادلة توزيع الأعباء التي وضعتها حكومة الرئيس دياب والقائمة على تحمل مصرف لبنان والمصارف العبء الأكبر، بينما عيونهم جميعاً كانت ولا تزال على تحميل الدولة والمودعين هذا العبء، فنجحوا بشطب أموال المودعين، ولا زالوا يحاولون وضع اليد على الذهب وأملاك الدولة وأصولها، ولو أن زمن المقاومة فاجأهم بإنجاز استعادة الثورات البحرية فأحبط خططهم.

انتصر حزب المصارف داخل قوى 8 و14 آذار، فجاءت قوى الثامن من آذار بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد إسقاط حكومة الرئيس حسان دياب، وتولى النائب السابق نقولا نحاس، فيلسوف لجنة المواجهة مع خطة التعافي التي وضعتها حكومة دياب، مهمة وضع الخطة الجديدة لحكومة الرئيس ميقاتي، وقامت قوى 14 آذار بترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية، فمد أصحاب المصارف وحاكم المصرف أقدامهم مطمئنين مرتاحين، لكن زمن الغاز والنفط في عصر المقاومة، سوف يفرض حضوره على كل كلام عن الاقتصاد، وعلى الحكومات القادمة، وعلى رئاسة الجمهورية، فالزمن الأول تحوّل، لأن زمن كوني جميلة وأصمتي، أو كوني مقاومة ولا تتدخلي في الشؤون المالية، ولّى الى غير رجعة!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى