أخيرة

في وداع رمزين كبيرين

‭}‬ معن بشور

 

1 ـ عبد العزيز المقالح
باب اليمن المفتوح
من الصعب أن أتخيّل صنعاء الحبيبة دون الدكتور عبد العزيز المقالح ـ رحمه الله ـ الذي كان أحد أبواب اليمن العريضة المفتوحة لكلّ عربي ولكلّ حر في هذا العالم، وهو الذي كان مجلس المقيل الذي يشارك فيه كلّ يوم ندوة ثقافية سياسية راقية يشارك فيها نخبة من أهل اليمن وضيوف اليمن، تتلى فيها القصائد التي يختارها الشاعر الكبير عبد العزيز المقالح، وتجري مراجعة الكتب التي ينتقيها بعناية المثقف الكبير نفسه، ويتمّ عرض التطورات بالوطن العربي والعالم، لا سيّما تلك المتصلة بفلسطين وقضايا الأمّة… وخاصة قضية الوحدة العربية.
لم يكن عبد العزيز المقالح مجرّد شاعر متميّز أنجبته اليمن العظيمة، بل كان أيضاً قصيدة رائعة من عيون شعرنا العربي، ولم يكن مجرّد صاحب موقف قومي واضح من كافة القضايا المطروحة، بل كان موقف الأمّة بأسرها يلخصه بكلمة أو إشارة أو بعبارة.
لم يكن عبد العزيز المقالح مؤسساً ورئيساً لجامعة صنعاء على مدى عقود فقط، بل كان جامعة بحدّ ذاته يلتقي عنده طلاب من كلّ الأعمار، وأساتذة من كلّ الأقطار فيتزوّدون على يديه العلم والكرامة والحرية وبشكل خاص طعم التواضع الذي لا يرتقي إلى مدارجه العليا إلاّ كرام القوم كراحلنا الكبير.
إبّان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، التقط الراحل الكبير فكرة طرحناها أمامه، وكنا عائدين مع الأخوين بشارة مرهج وفيصل درنيقة، والمغفور له عدنان عيتاني من عدن في مسعى للتقارب بين شطري اليمن، وهي دعوة مئة مثقف عربي لندوة في صنعاء تحت عنوان «ندوة المئة مثقف من أجل الانتفاضة»، تماماً كما تحمّس كثيراً لفكرة احتضان جامعة صنعاء لندوة حول «الوحدة العربية» أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في أيلول/ يناير 1988، وشارك فيها أكثر من 150 شخصية من أبرز شخصيات الأمّة من ثقافية وسياسية، وخرجت منها جملة مبادرات أبرزها تأسيس المؤتمر القومي العربي نفسه ومخيمات الشباب القومي العربي، وقد كان المقالح من أبرز المتحمسين لعقده في صنعاء عامي 2003 و 2008، على التوالي سعياً منه لبناء إطار للتحاور والتشاور بين النهضويين العرب..
ولعلّ أكثر ما كان يعّتز به الراحل الكبير أنه كان بين أول من أذاعوا بيان ثورة 26 أيلول/ سبتمبر الجمهورية 1962، التي بقي أميناً لروحها ومبادئها حتى الرمق الأخير.. وقد أبدى لي مخاوف كبيرة على اليمن في آخر لقاء لنا به إبّان انعقاد دورة الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في صنعاء في يناير/ كانون الثاني عام 2013، وكم كان حريصاً أن يلعب أحرار الأمّة دوراً في بناء الجسور بين القوى اليمنية المتصارعة منذ ذلك الحين..
لا شك أنّ آلاف اليمنيين المقيمين في صنعاء شيّعوا فقيد اليمن الغالي وحامل رسالته الحضارية، ولكن مراسم العزاء ستعمّ كل منابر الثقافة والإبداع والالتزام في أمّتنا العربية التي فقدت برحيل المقالح واحداً من أنبل رجالها وأكثرهم عطاء وإبداعاً والتزاماً بقضية أمّته.
عزاؤنا برحيل المقالح أنه رحل وقد شاهد كيف ينتفض شعب فلسطين مجدّداً بوجه الاحتلال على أرض فلسطين، وكيف ينتفض شباب الأمّة في مواجهة التطبيع على أرض قطر، فحلم الرجل أن يرى فلسطين حرّة وأمّته موحدة في وجه أعدائها.
رحم الله الدكتور عبد العزيز المقالح، وجميل الصبر والعزاء لعائلته ومريديه ومحبّيه وأصدقائه في اليمن والوطن العربي والعالم.
2 ـ بكرّت بالرحيل يا أمين
بكرّت بالرحيل يا أمين، ولا أقصد بأنك رحلت في عزّ شبابك فقط، بل أنك رحلت قبل أن ترى بعضاً من أحلامك قد تحقق، وقد كنت من أجمل الحالمين بمصر عزيزة كريمة حرّة غير مقيّدة بأيّ اتفاقية نطبيع، وبأمّة عربية موحّدة تحمل رسالتها للإنسانية جمعاء، وبفلسطين محرّرة من رجس الاحتلال..
عشنا معاً على مدى عقود هذه الأحلام، وسعينا معاً ومع أخوة لنا أعزاء من مصر ولبنان والوطن العربي من أجل تحقيقها مدركين مقولة نردّدها معاً: «قد لا نحقق أحلامنا ونحن أحياء، ولكن لا يجوز أن نحيا دون هذه الأحلام».
أمين اسكندر الرمز العروبي الناصري في مصر وعلى المستوى العربي، كان رمزاً في فكره الذي نقله لأجيال يمكن أن نسمّيها بخريجي «مدرسة أمين اسكندر»، وكان رمزاً في صلابته النضالية التي ما كان لسجن أو ملاحقة أن تضعفه قيد أنملة، وكان رمزاً لنقاء ثوري يشكّل اليوم العلاج الشافي للكثير من الأمراض التي تفتك بحياتنا السياسية والحزبية.
في اجتماعات الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي على مدى سنوات كنا نصغي جميعاً لكلمات أمين التي تجمع بين سلامة الموقف ودقّة التحليل وحرارة الالتزام، وفي اللقاءات الحميمة معه كنا نشعر أننا في حضرة واحد من الأمناء على نهج جمال عبد الناصر وعلى حقوق الأمّة وكرامة الإنسان.
بقدر ما كان أمين اسكندر رمزاً لوحدة الأمّة بوجه كلّ محاولات تجزئتها، كان كذلك رمزاً لوحدة مصر بوجه كلّ أهل الشقاق والفتنة والتفتيت، وكان رمزاً لتلاحم القضية القومية مع القضية الاجتماعية مع القضية الديمقراطية،
كان رحمه الله نهضوياً بامتياز…
العزاء لأم فادي وفادي ودينا وكلّ أحباب أمين ورفاق نضاله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى