نقاط على الحروف

عن حزب الله والتيار الوطني الحر

ناصر قنديل
– ليست المرة الأولى التي تمر فيها العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله بأزمة، وهذا النوع من الأزمات يأتي دائما بإعلان التيار أن «الأمور مش ماشية هيك»، غامزاً من موقف لحزب الله لا يتلاقى مع ما يرغبه التيار، وتلميحاً بالرغبة بإعادة النظر بالعلاقة والتفاهم. وفي غالب الأحيان تكون الأزمة على خلفية مطالبة التيار الوطني الحر لحزب الله بالابتعاد عن حليفه في الثنائي حركة أمل وصولاً لدعوته للاختيار بين التحالفين، اما التيار أو الحركة. وحزب الله بالمقابل لا يعامل التيار في محطات موازية بالطريقة ذاتها. فهو على سبيل المثال لم يعتبر أن تصويت التيار ضد ترشيح الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب بإجماع النواب الشيعة، طعناً بالميثاقية، ولا نظر اليها بصفتها استهدافاً مسيحياً للموقع الشيعي مع لقاء نواب التيار والقوات على موقف موحّد من مرشح النواب الشيعة الذين ينتمون جميعاً الى كتلتي الثنائي، رغم أن لا مرشح آخر وأن الفوز تم بصوت واحد، ورغم انه كان للصوت الواحد تأثيره لم يتصرف حزب الله باعتبار مصير العلاقة مع التيار يأتي من تصويته لصالح خيار الحزب في شأن شيعيّ، ولو كان بحجم رئاسة مجلس النواب. مرّ الأمر ولم يؤثر ذلك على العلاقة مع التيار من زاوية حزب الله، وبالتوازي عند انتخاب الرئيس ميشال عون لم يتعامل الرئيس نبيه بري ولا صدرت اشارات امتعاض من حركة أمل بوجه حزب الله على خلفية الافتراق في الخيار الرئاسي، بل تقبل الفريقان إدارة الخلاف برحابة صدر على قاعدة أن التحالف لا يعني انضباط الحليف بقرارات الحليف.
– بالنسبة لحزب الله كل التحليل الذي يقوم على فرضيات من نوع أن الحزب يضع في أولوياته تفادي الفتنة الشيعية الشيعية لتفسير التفاهم الذي يربط الحزب مع حركة أمل هو مدخل لارتكاب الأخطاء في الاستنتاجات. فالعلاقة بين طرفي الثنائي هي تحالف سياسي استراتيجي قائم على مقاربة مشتركة لجوهر الصراعات في لبنان والمنطقة والموقف من المقاومة، وتجسّده شراكة في القرارات الكبرى قادرة على احتواء الخلافات وإدارتها بسلاسة، والقول بأنها مجرد علاقة ضرورة أمنية لمنع الفتنة يستبطن الظن الخاطئ بأن الحزب محكوم بهاجس حماية السلاح وشعوره بتهديد لهذا السلاح. وهذا تحليل سطحي لا مكان له في تفكير الحزب، والذي يتبنى هذا التحليل يقع في خطأ آخر عندما يبنى عليه تحليل آخر، محوره أن لدى حزب الله اولوية اسمها حماية السلاح. وهذا معنى التلميح في كلام رئيس التيار الوطني الحر لكلٍّ سلاحه ونحن دورنا هو سلاحنا. وهذا التحليل هو الذي يقول خصوم الحزب على أساسه أن علاقة الحزب بالتيار تنطلق من الحاجة لغطاء مسيحي للسلاح، كما قال جيفري فيلتمان، وصولاً لنظرية أعداء الحزب الذين يقولون إن حزب الله هو حامي المنظومة الفاسدة التي يصوّرون التيار في قلبها للقول، إن الحزب يريد منها حماية سلاحه بمقايضة حماية السلاح بحماية الفساد. وهذا المنهج كله يجافي حقيقة تفكير حزب الله ومنهجه، فالحزب ليس قلقاً على سلاحه ولا يحتاج الى غطاء او حماية للسلاح من أحد، ولا منّة لأحد على الحزب إذا وقف مع السلاح الذي تبذل أرواح أغلى منه في استخدامه لحماية لبنان ورفعته وتحقيق مصالحه، والتصرّف كأن السلاح شأن يخصّ الحزب وعليه دفع أثمان لمن يتخذون منه موقفاً ايجابياً، هو إساءة تجرّد هؤلاء من وطنيتهم وحرصهم على بلدهم لا يمكن لحزب الله أن يوقعها بحلفاء يعتقد أن موقفهم من المقاومة والسلاح نابع من قياسهم للمصلحة الوطنية وليس لحساب التبادل والمقايضة بحماية سلاح وحماية دور وأولوية مقابل أولوية. هذا من الزاوية الوطنية أما من الزاوية العملية. فالحزب يخشى أن يكون بعض اللبنانيين، أصدقاء او خصوماً، اقل ادراكاً من الأعداء بأن سلاح حزب الله المحمي ببيئة شعبية ممتدة على مساحة لبنان وبعشرات آلاف المقاتلين فوق أي تهديد او خطر، وأن شرعيته المكرسة بإنجازاته لا تحتاج غطاء أحد ولا حماية أحد، وإنجاز الترسيم لا يزال طازجاً وساخناً، ويظهر الأمران، مصدر الشرعية هي الانجازات، وحجم القوة فوق قدرة أحد على التهديد.
– من زاوية تفكير حزب الله، لبنان مجتمع معقد لا يمكن إدارته سياسياً من أي قوة أو تحالف خارج إطار السعي الى أوسع توافق عابر للطوائف، ولذلك يقيم حزب الله سداً أمام كل دعوات تأتيه من الخارج تحت عناوين مثل المثالثة والإغراء بأدوار داخلية أوسع وأكبر، لأنه مقتنع بأن هذه قشور موز تنصب في طريق من ينزلق بقبول اختبار الدوس عليها لتتحوّل بسرعة إلى لغم ينفجر بصاحبه. فالتركيبة الطائفية اللبنانية تغلب كل محاولة لثنائية او ثلاثية او رباعية، وحزب الله ينأى بنفسه عن أي مقاربة للمسائل التي تقع على خطوط تماس الطوائف بلغة ترفع منسوب التوترات الطائفية، ولذلك لم ينظر بعين الريبة بل بعين الرضا لتفاهم التيار مع الرئيس سعد الحريري ومع القوات اللبنانية في الطريق الى إيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ولذلك طالما تمسّك الحزب في أشد المراحل صعوبة بمستوى العلاقة التي يرتضيها الرئيس الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط للتواصل بالحزب ومقاومته، دون الوقوف أمام الاعتبارات الشكلية أو الأحجام والأدوار وموازين القوى، ولذلك وافق مراراً على طرح ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة وهو يعلم حجم الخلافات معه، ووافق على ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة وشارك بحكومته، وهو يدرك عدم الانتماء الى مدرسة سياسية واحدة معه، بمعزل عن كيفية تصويته للتسميات أو للثقة بالحكومات، فكيف يمكن لحزب الله أن يفرط بعلاقته بقوة سياسية كبرى مسيحياً ولبنانياً يمثلها التيار الوطني والحر وبينه وبينها حجم من التلاقي والتفاهم والشراكة يصعب وجوده مع آخرين.
– لا يطلب حزب الله من التيار التعامل بالمثل، في حالات الخلاف، ولا يردّ على المواقف بالمثل، لأنه يعتبر أن من واجب كل حليف في لحظة فوران الغضب لدى حليفه أن يتمتع بالحلم والصبر وأن يتصرف كأم الصبي. وهو بالمقابل يتفهم حساسية القضايا التي تثير انزعاجه واحتجاجه، ويرغب بأن يكون الحوار الثنائي بعيداً عن الإعلام كي يتفهم كل طرف أسباب الآخر واعتباراته، ويسعيان لتضييق قضايا الخلاف بينهما، ولا خيار للحليفين الا أن يجلسا إلى الطاولة ويتحاورا، ولا يظنّ حزب الله أن التيار قرر السير بإجراءات من خارج النصوص القانونية والدستورية لفرض نوع من الإدارة الذاتية كانت القوات اللبنانية من بدأ بها في المناطق المسيحية خلال الحرب الأهلية وقام التيار على خلفية رفضها والدعوة للدولة والقانون. كما لا يظن أن النقاش الرئاسي يستقيم بالتلويح بخيارات الانفراد التي إذا التقى عليها عدة أطراف لا يكفي ما لديهم لتأمين نصاب الجلسة، وهذه قضية لا يمكن مقاربتها الا بالهدوء ولا بأقل من توافق وطني كبير، يؤمن الحزب أنه سيكون ضمنه مع التيار في ضفة واحدة، ويرفض الحزب الاتهامات التي توجه للتيار بأنه يغازل خصوم الحزب عبر الإيحاء بالخلاف، أو الإيحاء باستعداده للسير بخيارات عكس مواقفه المبدئية في الرئاسة أو سواها.
– هذا المقال استنتاج شخصيّ لكيفية تفكير حزب الله وغير مبني على أي اتصال أو تشاور مع أي من قياداته، وهو حكماً لا يلزم الحزب بشيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى