أولى

التهديدات التركية كلامية

مع مرور شهر تقريباً على الحديث التركي اليومي عن عملية عسكرية برية تفرض انسحاب الجماعات الكردية المسلحة إلى عمق ثلاثين كيلومتراً من خط الحدود السورية التركية، لا يبدو أن هذه العملية ستسجل أي خطوة عملية لتحقيقها. والسبب هذه المرة لا يعود الى ممانعة روسية إيرانية كتعبير عن التمسك بسيادة سورية ووحدتها، واشتراط التمهيد لأي عمل من هذا النوع بالتفاهم مع الدولة السورية، بل لأن تركيا تلتزم بالخط الأحمر الأميركي المرسوم حول الجماعات الكردية المسلحة.
عملياً هذه المرة تعتبر أقل المرات التي تصدر فيها مواقف روسية وإيرانية وسورية بنبرة عالية في مواجهة تركيا، رغم أنها أكثر المرات التي ترفع فيها تركيا سقف مواقفها، لكنها بصورة لافتة أكثر المرات التي تكون التهديدات الأميركية واضحة لتركيا، وترسم معادلة تقول إنه ممنوع توجيه ضربة قاسية للجماعات الكردية المسلحة.
تبدو واشنطن ممسكة بالجانبين التركي والكردي، فتسمح بلغة تخاطب بنبرة عالية، وبتبادل النيران عبر خطوط الاشتباك، لكنها لا تسمح لأحدهما بتجاوز قواعد الاشتباك المرسومة، وعنوانها أن لكل منهما دوراً في إنهاك وإضعاف الدولة السورية، وأن واشنطن هي من يفاوض ويصنع التسويات، ولذلك تمسك واشنطن بالنفط والغاز وتوزع حصصاً منه على ضباطها وعلى حليفيها التركي والكردي، في سرقة لصوصية ثلاثية مشهودة علناً، وتأمل أن تصل الى لحظة يمكن بلوغها للتفاوض على سقوف مختلفة مع الدولة السورية، وبعدها تترك ما يجب أن يتفاوض عليه كل من الفريقين التركي والكردي وكيفية ترسيم الأحجام والأدوار بينهما في أي صيغة مستقبلية، ولا يبدو أن أحداً من الفريقين يملك شجاعة كسر الخط الأحمر الأميركي وفقاً لما يقول إنها مصالحه العليا وأمنه القومي.
العلاقة مع الأكراد فزاعة تستخدمها واشنطن للحصول على المزيد من الأتراك، والتهديد التركي فزاعة تستغلها أميركا لفرض المزيد من الاستتباع والطاعة على الجماعات الكردية، ولا تبدو هذه المعادلة قريبة التغيير.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى