أولى

الصين في مشرقنا

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
أثارت زيارة الرئيس الصيني للسعودية، والقمم التي عقدها مع ولي العهد السعودي ومَن حشدهم من قادة الخليج والعالم العربي على هامش الزيارة، فيضاً من الأسئلة، أهمّها ما يتمحور حول جدية هذه الصداقة الجديدة ومداها، وهل هي مناكفة مؤقتة، أم تعبّر عن توجهات مغايره لما عرفناه، وبمعزل عن المواقف المسبقة من السياسات الخليجية، والتي لطالما ارتبطت بالغرب حتى أنّ بعضاً منها من صناعته، إلا أنّ جديداً يلوح في الأفق قد طرأ على هذه الدول، وعلى الجيل الجديد من حكامها، وبها ما هو مختلف عن السابق، ويقتضي الحذر القول إنها تحمل إشارات، بعضها إيجابية ولكن بعضاً آخر منها سلبي.
إذا نظرنا إلى الجانب الذي به بعض الإيجابية من الكأس، فيمكن ملاحظة أن التباين في الموقف السعودي عن الموقف الأميركي، قد أخذ أبعاداً جدية واستراتيجية، تتجاوز المماحكات الصغيرة وباتجاه تحوّلات كبيرة، فالسعودية على لسان ولي عهدها، كانت قد أعلنت أنها بصدد تنويع علاقاتها ولو كان ذلك مع أطراف تتنافس مع واشنطن مثل الصين وروسيا، وعقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار البترول، مما عاد بالمال الكثير على خزائن السعودية وغيرها من الدول المنتجة للبترول، ضغطت واشنطن على دول الخليج وخاصة السعودية لرفع سقف إنتاجها، بهدف تخفيض أسعاره ولإرهاق روسيا اقتصادياً، وإضعاف قدرتها على تمويل حربها في أوكرانيا، ولي العهد السعودي هو من سارع لعقد اتفاق (أوبك +) الذي حافظ على إبقاء مستويات الإنتاج منخفضة والأسعار مرتفعة…
هذه العلاقة الجيدة بين البلدين والرجلين، ابن سلمان وبوتين لا بد أن تنعكس في القريب إيجاباً على الموقف السعودي من الأزمة السورية لصالح دمشق.
في الأيام الماضية، دخلت عملية استقلال القرار السعودي عن القرار الأميركي في مرحلة جديدة ومتقدّمة، وذلك مع زيارة الرئيس الصيني للرياض وما رافقها من حفاوة كانت ظاهرة في الإعداد وحتى في لغة الجسد، ثم بما استطاع ولي العهد السعودي من حشد لقيادات عربية وما عقد من قمم وما وقع من اتفاقيات تجارية واستثمارية وثقافية، ستعود بالنفع على طرفي العلاقة وعلى حساب العلاقة السعودية الأميركية، هذا عدا عن ما لم يعلن عنه من اتفاقيات نستشعرها ولا نعرفها.
من المؤشرات السلبية على تلك التحوّلات، أنّ هذه الدول قد كشفت عن موقفها الحقيقي من الصراع في المشرق عموماً وفلسطين خصوصاً، وأعلنت انحيازها لـ (إسرائيل) من خلال عمليات التطبيع معها، بمعزل عن الحدّ الأدنى الذي أعلنته قمة بيروت عام 2002 بمبادرة الراحل عبد الله بن عبد العزيز، التي تقترح السلام الكامل مقابل التطبيع الكامل، جاعلاً من العالم العربي جهة مقابلة لـ (إسرائيل)، جاءت عمليات التطبيع رسمية علنية مع الإمارات والبحرين، ولكنها تسير بذات الاتجاه وإنْ بشكل غير معلن وغير رسمي مع قطر والسعودية وعمان، وذلك بانتظار الوقت المناسب لإعلانها، فلم يعد بعضهم مهتماً بإجماع عربي أو بموقف جماعي، وأصبحت فلسطين وحقوقها أمراً يهمّ الفلسطينين فقط، بهذا تكون تلك الدول قد انكفأت على كيانيتها الضيقة ومصالحها الخاصة، وهي إنْ أرادت توسيع دائرة الاهتمام، فلن تذهب أبعد من الخليج ومجلس تعاونه الذي يضمّ دول الجزيرة العربية ذات الحكم الملكي الوراثي.
تجادل هذه الدول في تبرير علاقتها وتطبيعها مع دولة الاحتلال، بأنّ الفلسطيني الرسمي والشرعي أيّ منظمة التحرير الفلسطينية وذراعها السلطة الفلسطينية، قد اعترفا بـ «إسرائيل» وأصبحت تربطهما شراكة في مجالات الأمن والاقتصاد وإدارة السكان، وأنّ هذه الدول لم تفعل أكثر من سلوك الطريق التي سار عليه الفلسطيني قبلها، وعقد الشراكات واستثمر في الاقتصاد معه «إسرائيل». وبالنسبة لهذه الدول التي دخلت في التطبيع على شكليه المعلن وغير المعلن، فإنّ الشراكة مع «إسرائيل» تؤمّن لها الحماية مع هذه القوة الإقليمية في مواجهة القوة الإقليمية التي جعلت منها عدواً لها، أيّ الجمهورية الإسلامية مستخرجة من الدفاتر البالية قصص الخلاف السني الشيعي والصراع العربي الفارسي، لقد كان من الأجدى بهم أن يتعلموا الدرس ويستخلصوا العبر من النتائج التي حققها الفلسطيني، ليدركوا أنّ مغانم السلام مع «إسرائيل» ليست سوى سراب في صحراء لا ماء فيها ولا زرع…
*سياسي فلسطيني
مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى