نقاط على الحروف

هل ينطق أردوغان العبارة الذهبية قبل القمة أم بعدها؟

ناصر قنديل

ــ خلال السنوات التي أعقبت معارك تحرير حلب، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدير معادلة علاقته بالوضع في سورية، وفق ثنائية تقوم على شراء الوقت، ركيزتها الأولى تحسين وضعه التفاوضي ومكانته المؤثرة في علاقته بكل من روسيا وإيران، بصفتيهما حليفين رئيسيين لسورية، أملا بتخفيض سقف طلبات كل منهما من تركيا في الملف السوري، واعتماد البوابة الاقتصادية أحياناً والمصالح الاستراتيجية أحياناً أخرى، لتحقيق هذا الهدف؛ أما ركيزتها الثانية فتقوم على المماطلة في تنفيذ التعهدات التي يقدمها حول مستقبل الجماعات الإرهابية التي تحظى بالرعاية والدعم من أنقرة وتسيطر على مناطق شمال غرب سورية التي تشكل محافظة إدلب مركزها، والتركيز على مطالب تركية تتصل بالأمن القومي من مناطق شمال شرق سورية، حيث تسيطر الجماعات الكردية المسلحة كذريعة لتبرير الدور العسكري التركي في الأراضي السورية.
ــ نجحت استراتيجية أردوغان عملياً بإدامة الستاتيكو السائد شمال سورية لخمس سنوات، لكن الحرب في أوكرانيا أنشأت معادلة ثنائية جديدة، فهي من جهة جعلت الاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية خاصرة أميركية رخوة. فالمواجهة الروسية الأميركية تتوسّع الى كل الجبهات، وفي سورية أرجحية روسية وحضور أميركي غير قابل لتحمل الضغوط العسكرية. وهذه المعادلة تغري أردوغان بتحقيق مكاسب على حساب الجماعات الكردية المسلحة التي تحظى برعاية ودعم أميركيين، عبر التلويح بنية القيام بعملية عسكرية تستهدف هذه الجماعات الكردية في مناطق تخضع للسيطرة الأميركية. بينما يعتقد أردوغان أن أميركا تحتاجه أكثر مما يحتاجها، سواء لخصوصية تركيا الجغرافية في المواجهة مع روسيا، وأهمية موقعها على البحر الأسود، أو للحاجة لموافقتها كعضو أساسي في حلف الناتو على انضمام أعضاء جدد، رغم الهامش الذي رسمته تركيا لموقفها من حرب أوكرانيا وتموضعها في وسط المتحاربين ورفضها الالتزام بالعقوبات على روسيا. ومن جهة موازية وجد أردوغان في الحرب فرصة مشابهة للتعامل مع روسيا بصفته حاجة أكثر من المرحلة السابقة، سواء لتعزيز مواقفه المتمايزة بين حلفاء الناتو، أو لتشجيع سلوكه الاقتصادي القائم على استثمار المساحات المشتركة مع روسيا خصوصاً في تجارة الغاز، وقد وجد في عملية عسكرية في الشمال السوري، فرصة لاستناد الى سابقة قدمتها العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بعبور الحدود تحت عنوان مصالح الأمن القومي.
ــ لم تطابق حسابات حقل أردوغان حسابات البيدر السوري، فلم يحصل على التفويض الذي توقعه لعمليته العسكرية، أو غض النظر عنها، أو عن بعضها على الأقل، لا من موسكو وطهران، ولا من واشنطن، وما سمعه في قمة طهران في 19 -7 -2022 من الرئيسين فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي، قالت واشنطن ما يشبهه من موقعها، وتحوّلت العملية العسكرية إلى عمليات قصف متقطع على مناطق ومواقع الجماعات الكردية المسلحة، وبات الحديث عن العملية عبئاً سياسياً على أردوغان يحتاج الى خطوات سياسية تفتح آفاقاً لتغيير قواعد الاشتباك، حيث المطلوب رفع الغطاء عن الجماعات الكردية المسلحة، وبينما لا تبدو الطريق سالكة على جبهة العلاقة مع الأميركيين بالمفاضلة بين تركيا والأكراد، بدأ أن الممر الإلزامي الروسي الإيراني أمام أردوغان هو إعادة ترتيب العلاقة بالدولة السورية، حيث هناك مبادرة روسية نشطة عنوانها العودة الى اتفاقية أضنة، ومبادرة إيرانية في الظل تقف خلف المبادرة الروسية وتتريث في الحركة وعنوانها التعاون العسكري السوري التركي شمال سورية، شرقاً في المواجهة مع الجماعات الكردية المسلحة، وضمناً إحراج الأميركيين حتى إخراجهم، وغرباً في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة، ورفع الغطاء التركي عنها، مقابل مقعد تركي وازن في الحل السياسي للوضع في سورية.
ــ تمرّ كل من المبادرة الروسية والمبادرة الإيرانية عبر الدعوة لتركيا لحل مشكلتها مع الدولة السورية، ومن يتابع مواقف الرئيس التركي يكتشف أنه منذ أسابيع يركز على إعلان العزم على فتح صفحة جديدة مع الدولة السورية، وآخر الكلام ما قاله أمس، إنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين تأسيس آلية ثلاثية مع سورية، لتسريع المسار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق، وأوضح أن المقترح التركي ينص على اجتماع بين أجهزة مخابرات الدول الثلاث أولاً، يتبعه لقاء على مستوى وزراء الدفاع ثم الخارجية، ثم قمة على مستوى القادة.
ــ المقترح التركي تطوّر مهم سوف يكون على طاولة الرئيس السوري لدراسته واتخاذ القرار بصدد كيفية التعامل معه، فسورية لا تضيّع الفرص، ولا يحكمها العناد، ولا خلفية الثأر والعقاب، بل المصلحة العليا للدولة السورية، والسؤال الرئيسي الذي ينتظر أردوغان، هو متى سينطق العبارة الذهبية، “أن القوات التركية سوف تنسحب من الأراضي السورية، وأن حفظ الأمن عبر الحدود وتحقيق السيادة داخل الأراضي السورية لا يستقيم مع بقاء أي قوات أجنبية في سورية، وأن وحدة الأراضي السورية تعني سيطرة الجيش السوري وحده على هذه الأراضي”. هل سيقول هذا الكلام، ومتى، قبل القمة الثلاثية التي دعا إليها، أم كنتيجة لانعقاد القمة، لأنه يعلم أن مفتاح الموقف السوري يبقى في هذه العبارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى