نقاط على الحروف

الحرب في أوكرانيا والعد التنازلي

ناصر قنديل
– بعكس أوكرانيا ومن خلفها حلف الناتو، اعتمدت روسيا الصمت والصبر، فلم تصدر عن قادتها بيانات تشبه تلك التي تصدر صبح ومساء عن قادة الغرب والقادة الأوكرانيين، وما تتضمنه من غطرسة وعنتريات امتلأت بها تصريحات كل خصوم روسيا. ففي بياناتهم، الجيش الروسي متهالك، وتنقصه الخبرة، وفقد أغلب العديد القادر على خوض الحرب، ومعداته فاشلة، وخطوط إمداده مقطوعة، وذخائره تنفد، وبات مضطراً للجوء إلى كوريا وإيران لشحّ موارد السلاح والذخائر لديه، والسقوط مسألة وقت. وكان الرد الروسي على هذا الكلام غالباً هو الصمت، والصبر، اعتقاداً من القيادة الروسية أن ما يجري هو محاولة لإلحاق الإهانة بالجيش الذي هزم نابليون وهتلر بعد حروب امتدت لسنوات، ووصل خلالها زحف جيش العدو الى أطراف العاصمة موسكو، وقد حشد مئات آلاف الجنود وأفضل أنواع السلاح والعتاد. والجيش الروسي الذي قدم مئات الآلاف في هذه الحروب لم يضعف ولا نضبت موارده ولا ذخائره، وأن هدف الإهانة هو الاستفزاز لاستدراج موسكو الى نمط من الحرب مخالف لما خططت له، يكرّر تجربة حرب أفغانستان، إذا لجأت روسيا لاجتياح سريع لأوكرانيا رداً على الإهانات والاستفزازات وإثباتاً للقدرة، فجمعت موسكو الصبر إلى الصمت وسارت بروزنامة الحرب وفقاً لما رسمتها وما يحقق أهداف الحرب، ولم يربكها تنفيذ قرار الانسحاب من كييف عندما وجدته ضرورياً، ولا أحرجها الانسحاب اللاحق من خاركيف ولا التموضع وراء خطوط دفاع ثابتة في خيرسون وزابوروجيا.
– خلال شهور أنفق الغرب أكثر من مئة مليار دولار على تمويل الحرب في أوكرانيا، والرقم يعادل ضعف ميزانية وزارة الدفاع الروسية لسنة كاملة، ونفدت الأسلحة والذخائر من مستودعات الدول الغربية، كما يقول الأمين العام لحلف الناتو ويصرّح المسؤولون الأوروبيون والأميركيون، ودخل فصل الشتاء وتفاقمت أزمة الطاقة في أوروبا، وتدحرجت نتائجها الاقتصادية والاجتماعية، وتمّ تدمير بنية الجيش الأوكراني البشرية، وأخرجت شبكات الطاقة في أوكرانيا من الخدمة، وصار الأمر يحتاج الى نقلة تمثل بدء انقلاب دولاب الحرب. فكانت التحولات في جبهة دونباس، وفي الموقعين الأشد حساسية، باخموت وسوليدار، فحدثت النقلة المنشودة، وما عاد إنكارها ممكناً، ودب الذعر في الغرب، والهستيريا في كييف. وخلال ساعات أعلنت موسكو تسليم قيادة الجبهة لرئيس الأركان فاليري غيراسيموف يعاونه نائبه وقادة أسلحة البر والجو، ما يعني أن تحولات كبرى ستبدأ بالظهور في الميدان.
– يقول المستشار السابق للبنتاغون دوغلاس ماكغريغور، إن الأميركيين والألمان والغرب عموما، يتصرفون على قاعدة أن الجيش الأوكراني ينهار، وأنهم لا يستطيعون التوقف عن تقديم السلاح والذخائر له، لكنهم عندما يتحفظون على تسليمه أسلحة وذخائر متطورة، لا يفعلون ذلك إلا خشية يقينهم من أنها سوف تقع بيد الروس قريباً، ويضيف «أتفهم موقف الألمان، أعتقد أنهم يخشون بشكل مبرّر أن يتم الاستهزاء بهم، ولن يتم تدمير معداتهم فحسب، بل سيتم الاستيلاء عليها في كثير من الحالات، وتوجد المخاوف نفسها من جانب الإدارة الأميركية، وأعتقد أننا ندرك أن القوات الأوكرانية تنهار».
– يقرأ الخبراء العسكريون في الغرب أن الخطوة الروسية التي ستعلن ختام الحرب، تتمثل باندفاعة عسكرية روسية بيلاروسية عبر الخط الحدودي الفاصل بين أوكرانيا وبولندا، انطلاقاً من الأراضي البيلاروسية، ويضعون إعلان وحدة المجال الدفاعي بين روسيا وبيلاروسيا والحشود الروسية في الأراضي البيلاروسية مقدّمة لهذه الخطوة، لأن حدود أوكرانيا وبولندا هي الممر الإلزامي لكل الإمداد الغربي لأوكرانيا، والسيطرة عليها تعني بداية نهاية الحرب، بفتح الباب للتحولات داخل الجيش والمجتمع في أوكرانيا، لإنتاج شروط جديدة تتيح التفاوض تحت سقوف تقبل بها موسكو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى