مقالات وآراء

اللوبي الصهيوني وصناعة القرار في الولايات المتحدة

 

‭}‬ بتول قصير
تتسم عملية صنع السياسة الخارجيّة للولايات المتحدة بالتعقيد. صحيح أنّ الرئيس الأميركي يتمتّع بصلاحيّات واسعة في هذا الإطار، لكن هذه الصلاحيّات ليست منبثقة من الدستور الأميركي وحسب بل من واقع الثقافة السياسيّة، حيث لا تشكّل موضوعات السياسة الخارجيّة عاملاً مؤثّراً في السلوك الاقتراعي للشعب الأميركي.
لعلّ أوّل ما يتبادر الى الأذهان عند الحديث عن صناعة القرار السياسي لأيّ دولة، بأنّ المقصود من صناعة القرار غايته حماية الأمن القومي لأيّ دولة وهو المعنى الأشمل والهدف الأسمى لصانع القرار بما يشتمل على النواحي المختلفة كالسياسة والاقتصاد والقوة العسكرية والمحددات الجغرافية.
تخضع السياسة الخارجية الأميركية لمجموعة من المؤثرات تتراوح أهميتها وتأثيرها من جماعة الى أخرى. وما يميّز هذه المجموعات أنها لا تسعى للوصول الى السلطة وإنما للتأثير في مؤسّسات صنع القرار الرسمية. وعليه، تتداخل عدة جماعات ضغط لتؤثر في صناع القرار الأميركيين بما يتوافق مع مصالح وأهداف تلك الجماعات.
ولأنّ اللوبي الصهيوني هو من أكثر اللوبيات تنظيماً وتمويلاً وتغلغلاً في المجتمع الأميركي، الأمر الذي يجعله أكثر قوة وفاعلية وتأثيراً على صانع القرار في الولايات المتحدة الأميركية. وعليه فقد تمكّن اللوبي الصهيوني من استغلال قدراته وإمكانياته ونفوذه الاستغلال الأمثل خدمة لكيانه.
أضف الى ذلك، فقد سعى اللوبي الصهيوني منذ ظهوره لربط المصلحة «الإسرائيلية» بالمصالح الأميركية العليا، عبر إيهام المسؤولين الأميركيين، كما الرأي العام الأميركي بأنّ الأمن «الإسرائيلي» هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي، ما يحتم على أميركا وضع إمكاناتها في سبيل الحفاظ على استمرارية الكيان الصهيوني، عبر مدّه بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري.
وهنا تبرز مسألة الاستجابة الواضحة من الجانب الأميركي لمساع اللوبي الصهيوني من خلال الموقف الأميركي المنحاز لـ «إسرائيل»، وتحديداً في ما يتعلق بمسألة الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وعملية السلام في الشرق الأوسط، حيث تتبع الولايات المتحدة سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير لصالح «إسرائيل»، وآخرها ولن يكون الأخير التدخل في المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني وعرقلة عملية التفاوض.
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هنا، لماذا تدعم أميركا «إسرائيل» وتبذل جهوداً لحمايتها والدفاع عن مصالحها وتعزيز نفوذها؟
إذا بحثنا في جذور المسيحية/ الصهيونية، فنجد أنّ أغلب البروتستانت عموماً، وخاصة الإنجيليين منهم يرون فى عودة اليهود إلى فلسطين استكمالاً للنبوءات الدينية المسيحية على حدّ زعمهم، ويعتبرون قيام دولة «إسرائيل» علامة من علامات القيامة. بالإضافة الى الرؤية الليبرالية، التي تنحاز للصهيونية من مبدأ الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود، وأنّ مشروع الحداثة الغربى لا يكتمل بدون رفع ذلك الظلم والتكفير عنه. وإذا تعمّقنا أكثر في تاريخ ونشأة كلّ منهما، نلاحظ التشابه الكبير في التفكير والخطة الاستيطانية لتكوين الدولة، وكلاهما يمثلان روح الاستكبار وصورته.
تبني اللوبي الصهيوني على مدار وجوده في الولايات المتحدة استراتيجيتين أساسيتين لاستمالة الإدارة الأميركية لما فيه مصلحة الكيان وهما: ممارسة الضغط على الكونغرس والفرع التنفيذي لدعم «إسرائيل» ومحاولة استمالة الآراء إلى الصف «الإسرائيلي»، والضغط على الخطاب العام حتى يصوّر «إسرائيل» بمظهر إيجابي عبر ترديد الأساطير عنها بكونها ضحية وسط جيران يكرهون وجودها.
ينفذ اللوبي الصهيوني استراتيجيات تساهم في تعاظم نفوذه، فتغلغل في مؤسسات القرار الحساسة كالكونغرس، وتحديداً في اللجنة الأميركية «الإسرائيلية» للشؤون العامة «إيباك» التي تضمّ نحو 4500 من كبار الشخصيات اليهودية في المجتمع الأميركي، وتعتبر «إيباك» أقوى المنظمات وأكثرها تأثيراً، وأنّ قوة اللوبي الصهيوني مستمدة من طبيعة السياسة الأميركية ذاتها، ومن حيوية شبكة العلاقات التى صاغتها مجموعة المنظمات التى تمثل اللوبي اليهودي فى الولايات المتحدة الأميركية، ويعمل اللوبي الصهيوني على كل مستويات القرار السياسى من الرئاسة إلى الكونغرس مروراً بالمحكمة العليا، وتعتمد في سياستها داخل الكونغرس على سياسة الثواب والعقاب، إذ تدعم وتكافئ من يدعمها بإغداق الأموال عليه ودعم مرشحه في الانتخابات وتعاقب من يعاديها بأن توجه تبرّعاتها للحملة الانتخابية لخصومه السياسيين.
بالاضافة الى نفوذه الواسع في الكونغرس، فإنّ اللوبي الصهيوني يتمتع بنفوذ وسيطرة شبه تامة على الفرع التنفيذي من قوة تأثير الناخبيين اليهود في الانتخابات الرئاسية، ولا يرتبط الأمر هنا بالعدد، لأنّ إجمالي عددهم هو 3% إلا أنهم يموّلون نحو 60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحين كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وعملياً فإنّ أغلب اليهود يمنحون أصواتهم للحزب الديموقراطي لأنه يعبّر بشكل أكبر عن مصالح الأقليات إلا أنه إذا ما اقتضت المصلحة دعم مرشح جمهوري فلا مانع لديهم والدليل على ذلك تكاتفهم ودعمهم للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسبب وعوده الانتخابية الداعمة لـ «إسرائيل».
إلى جانب نفوذ اللوبي في الكونغرس والفرع التنفيذي، فقد سعى اللوبي الصهيوني وما زال من أجل تشكيل مفاهيم مغلوطة ورسم صورة وردية عن الكيان الصهيوني، من خلال الإعلام من جهة ومراكز الدراسات والبحوث من جهة أخرى، فكلاهما لاعبان أساسيان في صياغة وتشكيل الرأي العام والضغط على الإدارة الأميركية بل وأحياناً كثيرة تساهم في صنع السياسة، لذا عمل اللوبي الصهيوني على إنشاء ترسانته الفكرية وهو «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» عام 1985. بالإضافة الى ترويج خطاب إيجابى عام حول «إسرائيل»، عبر ترديد أساطير عنها وعن تأسيسها، إضافة إلى الدعاية للجانب «الإسرائيلي» فى النقاش السياسى عبر وسائل الإعلام المملوكة فى أغلبها لصهاينة، لذا فليس مستغرباً أن تعترف مجموعة من السياسيين الأميركيين وفى مقدمتهم الرئيس السابق بيل كلينتون بأنّ «إيباك» هي أفضل من أي طرف آخر يمارس الضغط فى واشنطن، وأنها أكثر جماعات المصالح العامة تأثيراً فى الكون.
في الخلاصة، إنّ قوة اللوبي الصهيوني في عملية صنع القرار في الولايات المتحدة، وتحريك الإدارة الأميركية نحو مصالح «إسرائيل» وممارسة الضغط عليها من كلّ الجهات بما فيها الكونغرس والحملات الانتخابية ومراكز البحوث والدراسات وكذلك الاقتصاد، بالإضافة إلى نجاحه في استمالة الشعب الأميركي عن طريق الإعلام بتصوير «إسرائيل» في دور الضحية. ما يمكّن هذا اللوبي من الاستمرار في السيطرة على القرار السياسي الداخلي وفي السياسة الخارجية، وهذا ما يتباهى به القادة «الإسرائيليون» دائماً، وهذا ما عبّر عنه أرييل شارون ذات مرة في ما يخص تأثيره في الرئيس السابق جورج بوش قائلا: «إنّ الولايات المتحدة تحت سيطرتنا»…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى