أولى

القطار الروسي المدرّع والمظلة النووية الروسية فوق إيران

محمد صادق الحسيني

يتجه التحالف الروسي الإيراني في المواجهة المشتركة ضدّ “الغرب الجماعي” الى مراحل متقدمة جداً في الصراع.
وفي هذا السياق، كان من اللافت جداً التحوّل النوعي في مسرح العمليات المشتعلة في أوكرانيا، المترافقة مع تصريحات رئيس الديبلوماسية الروسية اللافتة أيضاً…
فقد تناقلت وكالات الأنباء المختلفة، يوم 31/1/2023، إعلان القوات المسلحة الروسية عن نقل/ إرسال/ قطار عسكري مدرّع الى منطقة الدونباس، ايّ الى منطقة العملية العسكرية الروسية الخاصة في هذا الإقليم.
فما هو هذا القطار وما هي أهميته؟
قبل الدخول في الإضاءة على ماهية هذا القطار لا بدّ من التنويه او الإشارة الى تاريخ هذه القطارات، وطبيعة المهمات التي تقوم بها، عندما يصدر لها التكليف بذلك، من قبل هيئة الأركان العامة الروسية (السوڤياتية سابقاً).
ومن بين أهمّ عناصر التعرّف على هذه القطارات هي العناصر التالية:
أولاً: هي قطارات عسكرية مدرّعة/ مصفحة/ بطريقة تحميها من كلّ أنواع القذائف المضادة للدروع، بما في ذلك مدافع المدفعية الثقيلة.
وهي بالإضافة الى ذلك تدخل في عداد الأسلحة الاستراتيجية، وهو ما سنتطرّق إليه في النقاط التالية.
ثانياً: تقود قطارات كهذه قاطرتان عملاقتان، ذات محركات قوية جداً، ويتألف القطار الواحد من عشرات العربات المدرّعة، الأمر (عدد العربات) الذي تحدّده طبيعة المهمة التي يقوم بها هذا القطار او ذاك.
وهي مهمات متعددة، تبدأ بالاستطلاع العسكري بالنيران، مروراً بتطويق قوات العدو في قواطع معينة من قواطع الجبهة، وصولاً الى حمل أسلحة ذات طبيعة استراتيجية، قد تكون تقليدية وقد تكون نووية.
ثالثاً: هنا تكمن أهمية هذه القطارات، التي أعلنت القوات المسلحة الروسية عن إدخالها الخدمة، في منطقة الدونباس.
إذ انّ هذه القطارات، وعلى عكس ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، غير المتخصصة، حول طبيعة مهمات هذه القطارات، والتي تختصرها هذه الوسائل بكون هذه القطارات عبارة عن ورشة إصلاح متنقلة، لإصلاح السكك الحديدية التي تتعرّض لأضرار، نتيجة لعمليات القصف المدفعي/ الصاروخي المعادي.
رابعاً: إلا انّ المهمة المذكورة أعلاه قد تكون مهمة جانبية جداً، لمثل هذه القطارات، التي استخدمتها الجيوش السوفياتية، خلال الحرب العالمية الثانية، لاقتحام خطوط الدفاع الألمانية وإقامة رؤوس جسور للقوات المدرّعة والمشاة الميكانيكية السوفياتية، خلف خطوط الجيوش الألمانية.
خامساً: كما أنّ القوات المسلحة السوڤياتية قد واصلت استخدام هذه القطارات، وأدخلت عليها العديد من التعديلات والتقنيات العسكرية المتقدّمة جداً، الامر الذي جعلها تتحوّل الى مكوّن رئيسي من مكوّنات الردع النووي السوڤياتي والروسي لاحقاً.
سادساً: لكن كيف تحوّلت هذه القطارات من وسيلة نقل الى سلاح ردع استراتيجي لدى الاتحاد السوفياتي ومن ثم الدولة الروسية الاتحادية، الوريث القانوني للاتحاد السوفياتي؟
الجواب على هذا السؤال يكمن في انّ الجيوش السوڤياتية قد سلحت هذه القطارات بفئة الصواريخ الاستراتيجية النووية، من طراز : RT – 23 Molodez، في التسمية السوڤياتية/ الروسية / أو : SS – 24 Scalpel حسب تسمية حلف شمال الاطلسي.
سابعاً: نختصر مواصفات هذا الصاروخ بما يلي:
ـ دخل الخدمة سنة 1987.
ـ يبلغ وزنه القتالي (عندما يكون مجهّزاً لتنفيذ عمليات قتالية ومحمّلاً بالرؤوس النووية) مائة واربعة أطنان.
ـ يبلغ مدى هذا الصاروخ أحد عشر ألف كيلومتر.
ـ يحمل هذا الصاروخ عشرة رؤوس حربية، من طراز : MIRV وهذه الأحرف هي مختصر اسمها الانجليزي وهو:
‏Multiple independently targetable reentry vehicles
وهي رؤوس حربية قادرة على ضرب عشرة أهداف مختلفة.
ـ تبلغ القوة التدميرية لكلّ واحد من هذه الصواريخ النووية اربعمائة كيلو طن، علماً انّ كلّ كيلو طن يساوي ألف طن من المواد المتفجرة التقليدية، ايّ انّ القوة التدميرية لهذا الصاروخ تبلغ اربعمائة ألف طن من المواد المتفجرة.
ثامناً: تمتلك القوات المسلحة الروسية، في ترسانتها الاستراتيجية الحالية، ستة وثلاثين صاروخاً من هذا الطراز، وهي محمولةً على قطارات مدرعة ودائمة الحركة، على سكك الحديد الروسية، المنتشرة على مساحة الدولة الروسية، البالغة أكثر من سبعة عشر مليون كيلومتر مربع، ما يجعل اكتشاف مثل هذه القواعد الصاروخية الدائمة الحركة من سابع المستحيلات.
تاسعاً: كما يجب ان يتمّ تقييم هذه الخطوة العسكرية الروسية، بإرسال هذه القطارات المدرّعة الى مناطق الدونباس في هذا الوقت بالذات، في ضوء تصريحات وزير الخارجية الروسية، حول إيران ايضاً، والتي قال فيها انّ روسيا تنظر بقلق الى الوضع حول إيران والتصريحات الغربية، التي توحي بانّ الغرب يتجه الى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران .
لا شك بأنّ إرسال هذه القطارات الى الدونباس في هذه اللحظة التاريخية من الصراع والحرب يحمل رسالة ردع روسي استراتيجي، تجاه الغرب الجماعي، واذا أضفنا الى هذه الرسالة كلام الوزير لاڤروف، والمتعلق بإيران، فانّ معاني وأبعاد إرسال هذه القطارات تأخذ حيّزاً كبيراً جداً، لا بل توسيعاً للمظلة النووية الروسية لتشمل إيران، التي يواصل الساسة الأميركيون والأوروبيون باطلاق التهديدات ضدها.
وفي ذلك معانٍ استراتيجية عظمى، تأخذ الصراع بين محور مقاومة الهيمنة الاميركية ومحور الغرب الجماعي العدواني، الى آفاق جديدة، تقول فيها روسيا إنها جاهزة للمضيّ قدُماً في عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، بهدف تحقيق أهدافها المحلية المعلنة من قبل روسيا، إضافة الى جاهزية روسيا للوصول الى المستوى الاستراتيجي في هذا الصراع، مع الغرب الجماعي، وحتى إنهاء أحلام قدماء المستعمرين الغربيين، الحالمة بالحفاظ على هيمنتهم على مقدرات العالم .
بعدنا طيبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى