أولى

موسم الزيارات الأميركية للمشرق

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
مع مطلع هذا العام ومشرقنا يستقبل ويودّع رجال الإدارة الأميركية في زياراتهم المتلاحقة، بدءاً من هادي عمر مستشار الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، مروراً بجو ساليفان مستشار الأمن القومي، ووليم بيرنز مدير المخابرات المركزية الأميركية، وانتهاء بوزير الخارجية أنتوني بلينكن وطاقمه، الذي وصل الإثنين إلى القاهرة التي افتتح بها زيارته، حيث بدا كرجل علاقات عامة وأستاذ جامعي، إذ زار الجامعة الأميركية في القاهرة وحاضر في طلابها مزوّداً إياهم بالنصائح، والتقى بالرئيس المصري ووزير الخارجية. ويقول البيان المصري إنّ البحث دار حول مسائل إقليمية، ولكن ما يحتاجه المصريون اليوم هو المال بغضّ النظر عن الثمن الذي سيدفعونه، كما تطرّق الحديث حول الأوضاع في فلسطين وضرورة ضبط ما يجري من مقاومة والعمل على تهدئة الأجواء.
في تل أبيب أكد الوزير الأميركي لنتنياهو أنّ التزام بلاده بأمن «إسرائيل» هو اليوم يفوق أيّ وقت مضى، فيما ركز نتنياهو على الشراكة مع واشنطن، والتي هي اليوم ضرورية لضبط التوجهات الإيرانية (العدوانية) والسعي الإيراني لامتلاك السلاح النووي، رام الله التي لم تعد مؤثرة في المشهد، فقد أعدّت قيادتها قائمة مطالب قدّمتها للوزير وهذا ما سنعود إليه في نهاية المقال.
هل هذه هي حقاً أهداف الزيارات الأميركية المتلاحقة؟ أم أنّ ما يعلن ليس إلا قنابل دخان، تخفي الأهداف الحقيقية التي تستدعي مثل هذا الجهد والوقت؟ يبدو أنّ ثلاثة ملفات مهمة هي ما في جعبة الأميركان وما تبقى ليس إلا مسائل فرعية.
الملف الأول هو حاجة الإدارة الأميركية الديمقراطية لترميم علاقاتها مع حكومة اليمين في تل أبيب، ومن المعلوم أنّ الرئيس الأميركي مع صهيونيته المفرطة لم يكن معجباً بنتنياهو والعكس صحيح، فنتنياهو لم يألُ جهدا في دعم ترامب في السباق نحو البيت الأبيض، تستدعي الحاجة الأميركية لترطيب العلاقة الجافة بين الرجلين والإدارتين، وسبق لواشنطن أن أعلنت أنها سوف تتعامل مع حكومة جاءت بخيار ديمقراطي، وأنّ الحكومة مؤسسة بغضّ النظر عن مكوّناتها الداخلية، في إشارة إلى بعض الوزراء مثل بن غفير وسموتريتش، نتنياهو معني أيضاً بذلك وهو يخوض معركة داخلية يحاول بها الاستيلاء على السلطة القضائية ووضعها في خدمته، مما دعا مئات آلاف الإسرائيليين للتظاهر ضده، وهو ما قد يحدث انقساماً كبيراً داخل المجموع (المجتمع) اليهودي.
الملف الثاني هو إيران التي تتوتر العلاقات معها أكثر من السابق خاصة بعد الضربات التي تلقتها مراكز حيوية بالمُسيّرات (الإسرائيلية)، لم تنجح العقوبات على مدى أربعة عقود ونيّف في ثني الإرادة السياسية لإيران ما بعد الشاه، لا بل زادتها إصراراً على تطوير برامجها في شتى المجالات بما فيها العسكرية والنووية، وإثر الحرب الروسية الأوكرانية أخذت ترتاح بعد ارتفاع مداخيلها بسبب ارتفاع أسعار البترول وبسبب انفتاحها الواسع على روسيا والصين، وأصبحت حاجتها لإعادة العمل بالاتفاق النووي تتضاءل عن السابق، حاولت الولايات المتحدة وأعداء إيران الدخول إليها بربيع فارسي مشبوه متخذة من مصرع فتاة على يد الشرطة أداة لتثوير الوضع، ولكن إيران نزعت الفتيل سريعاً بإطلاق مزيد من الحريات للمرأة، الفريق المعادي لإيران في المنطقة عاوده النشاط بعد وصول نتنياهو للحكم قمة في الخليج وزيارة نتنياهو لعمان، إذ تبدو ملامح الناتو العربي ـ السني ـ الإبراهيمي تتشكل بقيادة واشنطن، فيما تتوالى تصريحات إسرائيلية متفائلة بما أنجز في هذه الزيارة أمنياً وتسليحياً، وفي الإعلان عن شراكة في الموقف تجاه إيران، ومتابعة هذا الملف هي جزء من وظائف الزيارات الأميركية.
الملف الثالث هو قطع الطريق أمام التفاهمات السورية التركية، والتي أصبحت حاجة ملحة لأردوغان لإكمال عناصر حملته الانتخابية في القريب، واشنطن تحاول تقديم الإغراءات لأردوغان ببيعه طائرات وأسلحة، ولكن أردوغان أكثر مكراً من أن يقبل بذلك، فالدعم الذي تلقاه من موسكو أكثر إغراء، وقد جعلته تاجر القمح الأول في العالم ومن أهمّ مراكز بيع وتسويق الغاز، ويؤرق أردوغان اقتصادياً وانتخابياً مسألة الأكراد حلفاء أو عملاء واشنطن، ووجود ملايين اللاجئين السوريين في بلاده، وقد استنفد أغراضه منهم وأصبحوا عبئاً اقتصادياً واجتماعياً وانتخابياً عليه، ويستدعي وضع العصي في دواليب التفاهمات السورية ـ التركية في مثل هذه الزيارات.
الأردن لا داعي لزيارتها، فالعاهل الأردني الذي استقبل نتنياهو في عمان قبل أيام وتحدث معه في الملفات الإقليمية وبحث معه شؤون استراتيجية قد أصبح في واشنطن وسيقابل الرئيس الأميركي اليوم الخميس للحديث في الشراكة الاستراتيجية بين بلديهما، وبالطبع كما جرت العادة المرور بضرورة العمل على حلّ الدولتين والتهدئة والحوار والحفاظ على الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى.
رام الله التي زارها بلينكن عصر الثلاثاء كانت قد أعدّت قائمة بمطالبها لتقدّمها للوزير الأميركي، ولكن وصل إليها قبل الوزير الأميركي مديرا المخابرات في الأردن ومصر، ليجتمعا بالرئيس الفلسطيني من فورهم، في ما بدا أنه تحضير للقاء الوزير، كما يعطي الإشارة إلى أنّ الملفات التي ستتمّ مناقشتها أمنية الطابع لا سياسية المحتوى، اللقاء وبعيداً عن القواسم المشتركة لمفردات كلّ لقاء والتي أصبحت ممجوجة لكثرة تكرارها، كالحديث عن حلّ الدولتين والتزام الإدارة الأميركية به وعن الاستيطان وإدانة العنف وإمكانية إعادة فتح القنصلية الأميركية بالقدس الشرقية والتعبير عن القلق والأسف… الى آخر ما في جعبتهم من كلمات نمطية، لكن المسالة الأهمّ، أنّ الرئيس شعر بجرعة من جرعات الاهتمام الدولي وتمّ الاتفاق على العودة للتنسيق الأمني، فيما تفيد بعض التسريبات أنّ فريقاً أميركياً سيبقى هنا لمتابعة التنسيق وضمانه، ومن هذه التسريبات إمكانية تحديث مجال عمل الشبكة الخلوية لشركات الاتصالات الهاتفية الفلسطينية باعتبارها إنجازاً من إنجازات اللقاء، وفيما ننتظر مزيداً من التسريبات ومن النوع ذاته، نستطيع القول إنّ هذا يعني أيضاً أن السلطة ستنشط من جديد في محاولة كبح النشاطات المقاومة، وخاصة في شمال الضفة ويعني أيضاً أن لا انتخابات ولا مصالحة في الأفق.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى